وهل تُصلح الوزرة ما أفسدته الوزارة

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0


28/09/2017

رشيد أخريبيش

منذ أن تولّى السيّد حصاد حقيبة وزارة التربية وهو يُلحّ على هندام الأستاذ، وقد ذهب بعيداً في ذلك وأصدر مذكرة في هذا الشّأن تُلزم الأساتذة بارتداء الوزرة البيضاء أثناء ممارسة عملهم ،وهذا حدث في إطار الإصلاحات التي باشرها السيّد الوزير للنهوض بقطاع التّعليم الذي يُراهن عليه الكلّ.
جميل جدّاً أن نهتم بالهندام وجميل أيضا أن نُلزم الأساتذة بضرورة  الاعتناء بلباسهم ،
لكن مع ذلك لا نعتقد أنّ الوضع يحتاج الآن إلى الوزرة وإلى الهندام فواقع التعليم يحتاج إلى ما هو أعمق من الهندام  ومن الوزرة ومن الأصباغ التي لا تغير من واقع التعليم شيئا.
الوزرة مع أنّها ضرورية ومع أنّ فكرة ارتدائها لم تجد أي مقاومة تذكر من أي أحد  إلاّ أنّها ليست كافية لإصلاح قطاع التعليم الذي يعاني الويلات.فالإصلاحات في قطاع التعليم لا تكاد تنقطع، وفي كل ولاية حكومية يباشرون  إصلاحات يُقال عنها أنّها ستضع اليد  على الجرح ،لكن مع ذلك   فالوضع بقي  على ماهو عليه،  وقطاع التعليم ازداد تدهوراً والمشكل في اعتقادنا يكمن  في تلك الإصلاحات التي غالبا ما تتجاهل الجوهر وتهتم بما هو سطحي، وهذا لن يغيّر من الواقع شيئا.

من يسمع عن إصدار مذكرة وزارية في شأن الاعتناء بالهندام سيعتقد أن المغرب قطع أشواطاً في مجال التعليم، ووصل مراحل متقدمة في بناء المدرسة الوطنية، وربما سيعتقد البعض أنّ الدّولة أنهت مع المشاكل التي تُؤرّق قطاع التعليم، وهي الآن بصدد وضع اللّمسات الأخيرة على هذه الإصلاحات عبر هذه المذكرات الوزارية. لكن الواقع أعقد وأشد مما تتصوره الوزارة ومما يتصوره الكثير ممن يحاولون وضع الأصباغ والرتوشات التي تخفي وراءها الوجه الحقيقي لمنظموتنا التعليمية.

قبل الخوض في الشّكليات وقبل التركيز على ما هو ثانوي، يجب التركيز على ماهو أهم لإصلاح المنظومة ، فالوزرة والهندام ومظهر الأستاذ آخر شيء يجب أن نفكر فيه ، لأنّ ما تعيشه المدرسة من اخفاقات يجعلنا نتجاوز ذلك التفكير الضّيّق الذي يجعل الكثير منا  يعتقد أن الوزرة هي السبب في كل المآسي التي وصل إليها قطاع التعليم .

المدرسة المغربية تعاني من الإهمال وهذا واقع لا أحد يستطيع أن ينكره ،ولتسأل الأسر المغربية عن المدرسة العمومية فتحتما ستصاب بالدهشة ، فالكلّ فقد الثقة في هذه المدرسة ، والكل يتمنى لو توفرت له الظروف لمغادرة هذه المدرسة، وهذا واقع يندى له الجبين ويضع أمامنا سؤالا منطقيّا يجب علينا أن نطرحه جميعا، ماذا قدّمت الحكومات المتعاقبة لإنقاذ المدرسة العمومية ؟

ما قامت به الحكومات من  إصلاحات  في قطاع التعليم لا يعدو أن يكون سوى ترقيعات لا يمكن أن تكون لها الفعالية الكافية لإعادة الثقة إلى المدرسة المغربية ، كما أنّه لا يمكن لهذه الترقيعات أن تعطي أُكلها خصوصا وأنّنا وصلنا إلى مرحلة لم يعد بإمكان الحلول الترقيعية أن تعالج  مشاكل قطاع التعليم التي لا تُعد ولا تحصى .

إصلاح  التّعليم العمومي لا يحتاج إلى كثرة المذكرات ، ولا إلى المقاربات البوليسية التي تجعل الأستاذ دائما في قفص الاتهام ، ولا يحتاج أيضا إلى  كثير من الخطابات الرنانة التي  طالما نسمعها من ساستنا العظام الذين يسترزقون على حساب المدرسة العمومية وعلى حساب أبناء الشّعب المغربي ، حيث غالباً ما تستعمل المدرسة المغربية في الحملات الانتخابية من أجل الفوز بأصوات الناخبين، وهذا الذي جعل منظومتنا التعليمية لا تراوح مكانها، الشّيء الذي  لا يبعث على التفاؤل على الأقل في وقتنا الراهن.

 قبل  الوزرة وقبل الهندام وقبل مظهر الأستاذ، هناك مشاكل تتخبط فيها منظومتنا التعليمية ، لا أحد يستطيع من الساسة مواجهتها أو حتى الحديث عنها . فالكل يتغاضى الطرف عما هو أساسي ويتمّ توجيه الأنظار إلى ما هو ثانوي وهذه السياسات انكشف زيفها وظهرت حقيقتها مع مرور الأيام.

الهندام وإن كان ضروريا إلا أنّه ليس كافيّاً، فالرُقيّ  بالمنظومة يحتاج إلى إصلاح في العمق،  بدءاً  من البنية التّحية التي تعرف الكوارث، مروراً بالتّجهيزات، وصولاً إلى  وضعيّة الأستاذ التي غالباً ما نتجاهلها عند كل إصلاح تقدم عليه الوزارة .
لم يعد إصلاح المنظومة التعليمية فرض كفاية بل أصبح فرض عين، وعلى كل من كُلّف بمهمّة الإصلاح أن ينخرط فيه  بصدق وأمانة، فالمنظومة التعليمية تحتاج إلى إصلاحات في العمق، وتحتاج  إلى تصور شاملٍ يُحدّد الأسباب الحقيقية لفشل المنظومة ،ثّم يقطع مع القرارات الانفرادية التي غالبا ما تتخذ في قطاع التعليم  والتي تستبعد كل القوى الفاعلة في الحقل التعليمي، والتي لها علاقة مباشرة بالمشاكل التي يتخبط فيها هذا  القطاع .
  الخطابات الإنشائية، لن تستطيع  تحقيق ما نصبو إليه جميعا، والشّعارات الجوفاء التي أغرقوا بها  المنظومة التعليمية ،لن تزيد سوى في تأزيم الوضع ،والمطلوب هو أن ينخرط الجميع للنهوض بهذا  القطاع الذي هو أساس كل نهضة.

0 تعليق على موضوع "وهل تُصلح الوزرة ما أفسدته الوزارة"


الإبتساماتإخفاء