لماذا تقدم الغرب وتأخرنا نحن؟

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0


24/08/2016
رشيد أخريبيش
لمدة قصيرة كنت ضيفا على أوروبا ولأول مرّة أرى أنّه من الواجب  طرح سؤال حول السّر في تقدم الغرب والسّر أيضا في انحطاطنا نحن  فهذا السؤال الذي  طالما تجاهلته منذ سنين ، خاصّة وأنّني لم أكن أريد الخوض فيه لأنّ الحكم على الأشياء والحديث عنها دون الوقوف عند حقيقتها قد يفقدنا شيئا من المصداقية.
منذ قرون والأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي وفي دول المغرب الكبير ، توهم شعوبها بأنّ الغرب لا يعرف تقدّما كما يروج له، وأنّ دولنا أفضل منه بكثير في كل المجالات لكنّ العكس هو الذي يحدث، فالحقيقة المُرّة أن الغرب وصل إلى مراتب عليا في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، بينما دولنا فشلت في كل المجالات وصنعت لشعوبها تخلفا فاق التوقعات.
شئنا أم أبينا تقبلنا الأمر أم لم نتقبله، فالحقيقة أنّ الغرب تجاوز دولنا بآلاف السنين، وهو الآن يعرف تطورا حضاريا منقطع النظير ، بينما نحن في دولنا حيث الديمقراطية المعطوبة وحيث حقوق الإنسان على مقاس الحكام، استطعنا أن ننتج التخلف والاستبداد والقهر والفقر وجميع الكوارث واستعطعنا أن نحقق المآسي بأنواعها .
الديكتاتورية في أوطاننا نجحت في كسب قلوب الشعوب كُرهاً واستطاعت أن تستعبد الملايين عبر القهر والظلم وعبر السجون التي برعت فيها، كما أنّها استطاعت أن تصنع شعبا كاملا يسبّح باسمها آناء الليل وأطراف النهار
صنعوا التّخلف دعموا الفساد زوّروا إرادة الشعب في الاختيار، دعموا المافيات السياسية لكي  تبقى في الواجهة لعقود من الزمان خدمة لمصالحها ومصالح أبنائها الذين سيرثون الحكم من بعدهم .
غالبا ما  نتهم بأننا ندافع عن الغرب  دائما زورا وبهتانا  من طرف بعض المتأسلمين  المتملّقين الذي ارتموا في أحضان الديكتاتورية، والذين لا يفهمون سوى لغة الانبطاح ولغة مسح المؤخرات لأسيادهم، ودائما مايحاول هؤلاء اتّهامنا بأننا لسنا وطنيين وأنّنا في خدمة الغرب الذي يحركنا. لكن الحقيقة أنّ هؤلاء لا يتقبلون النقد البناء الذي غالبا ما يفضحهم وأنّهم لا يستطيعون مواجهة نجاحات الغرب فيجدون التخوين والشيطنة سبيلا للتغطية على فضائحهم .
إن سألت   الغرب عن الديمقراطية فسيجيبك حتما بأنها الغاية التي بفضلها يمكن أن يحقق المعجزات، وإن سألت  أنظمتنا نحن عن الديمقراطية وعن صناديق الاقتراع الشعبية فلا تنتظر الإجابة فواقع   الديمقراطية المآساوي كفيل بأن يجيبك عن كل التساؤلات .
حكّامنا الأخيار أصحاب الفخامات يحكمون إلى مالا نهاية، ينهبون ثروات الشعب  بلا نهاية ويستعبدونه إلى ما لا نهاية، بينما في الغرب نجد حكّاماً يتداولون على السلطة يحتكمون إلى صناديق الاقتراع الشعبية، لا يؤمنون إلا بسلطة الشعب .
في الوقت الذي يطوّر فيه الغرب نفسه، وفي الوقت الذي يدعم فيه الفكر والثقافة وفي الوقت الذي يبني فيه الغرب ترسانته العسكرية، نجد في المقابل دولنا تدعم الاقتتال والتناحر والطائفية والاختلاف ،كل الدول اجتمعت وكل الأجناس تعاونت فيما بينها باستثناء دولنا التي تفرقت إلى ملل ونحل.
انظروا إلى أحوال بلداننا وانظروا إلى أحوالهم  كي تعرفوا حجم المأساة في بلداننا لا حياة لمن تنادي، لا وجود فيه للإبداع ولا وجود فيه للفكر ولا وجود فيه للعلم.
الغرب تقدّم صناعيا سياسيا واقتصاديا، وفي المقابل  دولنا فشلت في كل شيء ما عدا استعباد الشعوب .
الغرب ينتج يصنع يخترع يبتكر، ونحن نخنع ونركع ونسبّح باسم الطغاة الذين جثموا على صدورنا لقرون.
للأسف الغرب الذي طالما نكفّره والذي طالما ندعو عليه في صلواتنا ،والذي نعتبره عدواً لنا هو الآن ينعم بالحرية والكرامة ويعيش بأمن وأمان ،ويعتقد أن الديمقراطية هي السبيل الوحيد للخروج من التخلف.
أمّا نحن من نطبّل للطغاة ونزمر لحماة الدّين زوراً وبهتاناً لم نبن دولنا ولم نبن مجتمعاتنا ولم نطور صناعتنا كل ما برعنا فيه هو الفساد والرشوة والتخلف الركوع والعهر بكل أشكاله.
الغرب الذي نشيطنه أناء الليل وأطراف النهار، هو من نتّكل عليه في كل صغيرة وكبيرة، هو من يساعدنا هو من يقدّم لنا كل احتياجاتنا هو من يقدّم لنا العون كلّما سقطت دولنا فحتى سجاجيد الصّلاة التي نضع عليها رؤوسنا لندعوا عليهم، هي من صُنعهم فماذا بقي لمن يدعون الإسلام وماذا هم فاعلون أمام تقدم الغرب وانحطاطهم القاتل ؟
دولنا التي نجد  فيها المساجد والمآذن ودور القرآن والتي نجد فيها وزارة للأوقاف، والتي تصوّر لنا نفسها  على أنّها الحامية للإسلام نجد فيها كل الكوارث الفساد في القطاعات الرشوة غزت كل المجالات والعبودية ماتزال حاضرة بقوة، فأين هو التقدم الذي يفتخرون به؟ وأين هو الازدهار الذي يتحدثون عنه في إعلامهم .
الأنظمة الديكتاتورية تستغلّ جهل الشعوب لتقدم نفسها على أنها متقدمة وتحاول شيطنة الغرب من أجل البقاء في السلطة إلى أجل غير مسمى أما من زار الدول الغربية ومن أيقن حقيقة الديمقراطية في بلدان الغرب، فلن يصدّق رواية هذه الأنظمة الديكتاتورية، ولن يقبل أن يكون في صف القطعان التي تهرول جهة الصوت
كل عام والغرب يزداد تقدّما وكل عام ونحن في بلاد الظلم نتجرّع الويلات.

0 تعليق على موضوع "لماذا تقدم الغرب وتأخرنا نحن؟ "


الإبتساماتإخفاء