تناسلوا تكاثروا

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0


16/08/2016
رشيد أخريبيش
قلّما نجد حكومة  في العالم تقدم لمواطنيها الكلام الفارغ، وقلّما نجد حكومة يكون همها هو تقديم الدروس والعبر في الدين مثل  الحكومات في العالم العربي وفي دول المغرب الكبير، وقلّما نجد أيضا حكومات تصنع الكوارث لشعبها مثل  هذه الحكومات التي نرزح تحتها .
يوم أن خرج رئيس حكومة الإسلاميين  على المغاربة وطالبهم بالمزيد من التكاثر والإنجاب كي يصل  عددهم  مائة وعشرون مليونا أضحكني الخبر، وقلت في نفسي ربّما رئيس الحكومة كان يريد أن يتحدث عن الزيادة في الأزمات وفي الكوارث التي يتخبط فيها الشعب المغربي، وربّما كان يقصد بالتكاثر ذلك الاستبداد الذي تمارسه شعوبنا على نفسها عندما تقرر أن تتناسل بدون سبب مقنع .
يؤسفني جيّدا أن نجد حكّاما يدعون الشعوب إلى التكاثر، بينما هم يكتفون بطفل واحد  أو اثنين ، ومن المخجل أن نجد هؤلاء يقنعون البسطاء بزيادة الضحايا  بينما هم يهبون ما سرقوه من ثروات لابنهم البار الوحيد الذي هو مشروع حاكم أو رئيس سيتولى تدبير هؤلاء العشرة الذين عملوا بنصيحة بالتكاثر.
في عالمنا المليء بالتناقضات غالبا ما نجد أن البسطاء يلدون بلا حساب، ويعانون بلا حساب ويعيشون في الفقر بلا حساب  وفي المقابل أن من يحكمهم ينجب بحساب ووفق متطلبات المناصب التي سيتولاها هؤلاء الذين يلدونهم . فهم يحرصون على أن يكون ابنهم الذي سيفتح عينيه في هذا الوطن، مشروع رئيس في المستقبل أكان بالتوريث أو بالانتخابات التي غالبا ما تعطي نتائجها  الامتياز للحاكم ب 99.99، أو كان ذلك بالدبابة التي يتسلقها  من أجل ولده الصغير الذي يخرج من صلبه،  ومن أجل عائلته التي لم تفكّر يوما في أن تتكاثر أو تتناسل كما نتناسل نحن كالأرانب في الجحور .
التناسل مشكلة يسقط فيها أغلب الفقراء في أوطاننا، وهذا بتشجيع من الأئمة العظام الذين يفتون في التكاثر والتناسل، وفي ضروؤة انجاب المزيد من الضحايا ولا يفتون في ما يتعلق بالحاكم ولا بأعماله المشبوهة ولا بأموال الشعب التي تهرب ليل نهار فالهم الوحيد الذي بات يؤرقهم في مجال الفتوى هو تناسل البشر  متجاهلين ذلك الفساد الذي يتناسل كسرعة البرق في الوطن وأهله هو من يستحق الفتوى وبذلك يستحقون أن نصيغ لهم مثلا على منوال القولة الشهيرة لديكارت فنقول  أنا منافق إذن أنا موجود
فالمصيبة أن من يلبسون عباءة الدّين ينافقون الرئيس وينافقون الأتباع وينافقون ربهم ولك أن ترى في مصر أم الدنيا التي أصبح فيها القتل بإسم الدين ضرورة تستوجب أن ينخرط فيها كل العلماء من الذين أطلقوا لحاهم لخدمة الديكتاتورية التي أجهضت الثورة وراحت تنهب الثروة كل ذلك تحت غطاء تجار الدين الذين باعوا دينهم مقابل الحصول على رضى الحاكم المستبد.
 أحد هؤلاء الشيوخ إبان الحرب الإسرائيلية خرج من  على قناة الجزيرة  الفضائية وقال بالحرف الواحد إنني أستيقظ من الصباح الباكر سعيداً وفرحا لأشاهد الجزيرة لأعرف كم دخل الجنة من أهل غزة اليوم فبدل أن يحزن على إخوانه الذين يقتلون، يصبح هو سعيدا فرحا لأن هناك جنة تنتظر هؤلاء وهو نفس المنطق الذي يتعاملون به مع الشعوب المقهورة التي تعيش  على خط الفقر فعوض أن يكون العالم الديني ناصحا أمينا يصبح داعما أمينا للحاكم في جرائمه.
أتذكر أن مسألة التكاثر في أوطاننا تفطنت لها عندما كنت طفلا صغيرا في المرحلة الابتدائية عندما سألت أمي يوما سؤالا لم أكن أعرف أنني سأطرحه الآن على نفسي وعلى هؤلاء الذين يطالبون الشعب المغربي  بالتناسل والتكاثر، عندما  بادرت أمي بالسؤال عن سببي وجودي في هذه الحياة إذا كنت لا أستطيع الحصول حتى على دراجة هوائية مثل أقراني ،
لم أفهم صمت أمّي أنذاك ولم أفهم أن جرحها كان أكبر من جرجي أنا عندما وجدت أن وجودي في تلك الحياة وفي تلك الظروف  لا معنى له .
فكرت مليّا لماذا تحرص الأنظمة الديكتاتورية على دعوة شعوبها إلى التكاثر ،فوجدت أن الإنجاب سبب من أسباب استمرار حكم الطغاة فالتشجيع على التكاثر يخلق مجتمعا يعيش حياة الفقر والطغيان، يتغذى على الفقر وعلى الفقراء، فتجد أن أغلب الفقراء لا يحصلون على تعليم جيد، وعدم حصولهم على تعليم جيد يعني أنّ المجتمع سيكون كله في صف الحاكم يزور به الإنتخابات يستعيد به الشرعية يقتل به الشعب إن هو فكر في الثورة
الشعوب مجرد أرقام والفقراء سند النظام وأعوانه لذلك أصبح التناسل واجب وطني على كل البسطاء أن ينخرطوا فيه بتفان وبكل جدية ،كما  أن عليهم أن يحاولوا الحرص على ما يمكنهم من الزيادة في الحيوانات المنوية من أجل أن تزداد نسبة الخصوبة عند هؤلاء الرجال  ليس جميع الرجال ولكن رجال الأحياء الشعبية ورجال دور الصفيح ورجال المدن المهمشة لكي تلد الأحزان أحزانا أخرى ولكي تتكاثر المعاناة على أهلها ولكي يتمكنوا من استعبادهم  جيلا بعد جيل .
هم لا يريدون للفكر أن يتناسل، ولا يريدون للثقافة أن تتكاثر في صفوف الشعب، هم يريدون فقط للشعب أن يتكاثر عبر التناسل.
تناسلنا حتى أصبحت مدارسنا مكتظة بالكوارث وتناسلنا حتى أصبحت مستشفياتنا مليئة بالضحايا، وتناسلنا حتى أصبحت سجوننا وجهة كل الفقراء وتناسلنا حتى أصبحنا نرى أنفسنا في كل شارع من شوارع المدن والقرى نتسول،
المارين ، وتناسلنا حتى أصبحنا نحصد المراكز الأولى في الجرائم وفي تعاطي الممنوعات وتناسلنا حتى فقدنا حس المسؤولية و تكاثرنا حتى فقدنا إنسانيتنا وأصبحنا نرى كل يوم تكاثرنا في القمامة وفي حاويات النفايات .
الدول الغربية  التي تطالب مواطنيها بالإنجاب غالبا ما تكون هذه الدول مستعدة لاستقبال ذلك الجيل الجديد وتكون مستعدة لتحمل تكاليف تربيتهم وتعليمهم، ومستعدة لتحمل نفقات تطبيبهم وترصد جميع الإمكانيات لهؤلاء قبل  الولادة وبعدها.
فحتى الأنظمة في العالم العربي وفي دول المغرب الكبير التي تطالب المواطنين بالتكاثر والإنجاب هي الأخرى تخصص ميزانيات أكبر للإعتناء بتلك الأجيال الصاعدة فإذا كانت دول الغرب تبني مؤسسات للتعليم والتربية ، فإننا دولنا بارعة في بناء المؤسسات السجنية وبارعة أيضا في بناء محاكم التفتيش التي تكون في خدمة هذا المواطن الذي غرر به وسيق به إلى جهنم حيث عذاب الطغاة ينتظره.
احذروا أن تتناسلوا وإن تناسلتم فتناسلوا بتحفظ، فمن الأفضل أن نخرج من حرب التناسل بقليل من الضحايا بدل الخروج بأفدح الخسائر.
كل عام والطغاة يستعبدون الشعوب

0 تعليق على موضوع "تناسلوا تكاثروا"


الإبتساماتإخفاء