لماذا لا نتعلّم الدروس من بريطانيا

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0

25/06/2016
لماذا لا نتعلّم الدروس من بريطانيا
رشيد أخريبيش
في الغرب حيث الديمقراطية والحرية ، لا شيء يستطيع أن يقف أمام إرادة الشعب، يختار من يحكمه، يختار سياسات بلده داخليا وخارجيا، كما يختار نمط حياته أيضا.   ولعلّ آخر مشهد لحرية الاختيار هذه تجسّدت في ذلك الاستفتاء الذي أجراه البريطانيون حول بقاء أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والذي انتهى بفوز معسكر الخروج حيث انصاع الكلّ لنتائج الاستفتاء واحترم الكلّ إرادة الشعب واختياره، فما كان من كاميرون سوى أن اختار الاستقالة  بعد فشله في إقناع الشعب بفكرة بقاء بريطانيا  في حظيرة الاتحاد الأوروبي .
قال الزّعيم نعم للبقاء داخل الاتحاد، وقال  شعبه عكس  ذلك، وصوّت بأكثر من 50 %  لصالح الخروج ، وما كان على كاميرون سوى الاستقالة والرّحيل، وترك زمام الأمور لمن يستطيع قيادة البلاد إلى برّ الأمان.
كاميرون لم يحمل السلاح ضدّ الشعب الذي قررّ أن يصوّت بالخروج من الاتحاد الأوروبي، لم يشيطن معسكر الخروج وهو الذي يعرف أن الخروج له تداعيات سلبية على اقتصاد بلده، بل سلّم لأمر الشعب وقرّر الرحيل .
ماذا عن أوطاننا، ماذا عن بلداننا التي يحكمها الزعماء إلى ما لا نهاية؟ ماذا لو قرّرت الشعوب أن تقول لا وماذا لو قررت أن تفرض إرادتها على من يحكمها؟
الاستفتاءات في بلداننا عبارة عن مسرحيات دائما ما تكون نسبتها أكثر من 98 في المائة لصالح الزعيم ولصالح مشروعه الطغياني، ولك أن تتخيّل كيف يكون مصير الشعب إذا قرّر أن يقول لا للزعيم، وكيف يكون مصيره عندما يقرر أن يختار ديمقراطيا من يحكمه.
في بلداننا التي تزوّر فيها الاستفتاءات   علناً وفي بلداننا، حيث كل العمليات الديمقراطية مفبركة من ألفها إلى يائها لا تستطيع الشعوب أن تعبّر عن رأيها ولا تستطيع أن تختار من يحكمها، ولا تستطيع اختيار حتى سياسات بلدانها كما هو الأمر مع بلدان الغرب التي قطعت أشواطا في الديمقراطية وحقوق الإنسان.
عندما تفشل الأنظمة في بلداننا في  إقناع الشعب بالتصويت بنعم لصالح الرئيس أو الزعيم، وعندما تجد أنّ عمليات التزوير التي تقوم بها في كل الاستفتاءات، لم تعد مجدية ولم تعد قادرة على إبقاء الوضع على ما هو عليه، فما عليها سوى أن تحمل السلاح في وجه هذا الشعب الذي ثار في وجهها وربما إبادة هذا الشعب إذا رفض الانصيّاع لإرادة الحاكم المستبد. والأمثلة في أوطاننا لا تعدّ حول زعماء أبادوا شعوبهم وخرّبوا بلدانهم كل ذلك بسبب مطالب الشعب  الرامية إلى ترسيخ مبادئ  الديمقراطية .
الاستفتاءات  أمر مقدّس عند الغرب وإرادة الشعوب أقوى من كل شيء، واحترام هذه الإرادة واجب وطني بينما نحن في أوطاننا لا ديمقراطية تجمعنا ولا حقوق تحمينا، ولا قانون يمنع عنا بطش من يحكمون إلى آجل غير مسمى، فالشعوب لا تملك  سوى حق الدخول إلى  حضيرة الأغنام .
هرمنا في أوطاننا من أجل لحظة يكون فيها الشعب هو الحكم، هرمنا من أجل لحظة يختار  فيها الشعب من يحكمه بالديمقراطية، وهرمنا من أجل لحظة تكون فيها الحرية هي الهدف الأسمى لكل من الحكام  والمحكومين .
الغرب يقصفنا بالديمقراطية من حين لآخر، والغرب يعلّمنا الدروس في الحرية، بينما نحن مازلنا  نرفض تلك الدروس ومازلنا نعتقد أنّنا الأفضل على الإطلاق .
متى يتعلم حكّامنا  أنّ السلطة لا يمكن امتلاكها؟ ومتى يفهم هؤلاء  أن الشعوب هي من لها الحق في  الاختيار؟ ومتى يعرفون أن الحرية هي أساس الوجود؟
يجب أن نعترف أنّ الغرب قطع أشواطاً كبيرة في الديمقراطية، ويجب أن نعترف أنّ بيننا وبينه سنوات ضوئية في مجال الحرية، فيكفيك أن تقارن أجواء الاستفتاءات الغربية بالاستفتاءات العربية لكي ترى الفرق الشاسع. فالشعوب الغربية التي تعيش تحت الاستبداد والتي ترزح تحت الظلم هي مجبرة على أن تقول نعم في الإنتخابات في الاستفتاءات في الإدارات وفي البارات، مجبرة على قول نعم حتى لو سُلبت منها الإرادة وحتى لو تعرضت للإبادة.
نتمنى أن نتعلّم نحن في دولنا من الاستفتاءات الغربية ونتمنى أن نتعلم الدروس والعبر من هذه الدول التي تقصفنا بأمثلة صارخة في مجال الديمقراطية ، كما نتمنّى أن نقطع مع الاستفتاءات المفبركة التي يشارك فيها حتى الأموات والتي تجبرنا على التصويت بنعم بينما  تربط "لا" بالخيانة والعمالة وما جاورهما. كما نتمنى أن يتعلم الحكام والقادة والزعماء أن الشرف ليس بالبقاء طويلا في السلطة وليس باستبعاد الشعوب وليس بجمع الثروة من أموال البؤساء، وإنّما الشرف أن يكون هذا الحاكم في خدمة الشعب، وإذا عجز عن خدمة الشعب فإنه يستقيل ويترك المجال لمن هو أفضل.
تحية للشعب البريطاني الذي يثبت في كلّ مرة أنه صاحب الإرادة وتحية لحكامه الذين نقدر حرصهم على مصلحة الشعب .

0 تعليق على موضوع "لماذا لا نتعلّم الدروس من بريطانيا"


الإبتساماتإخفاء