من عجائب ما اخترعته أنظمة القمع في أوطاننا

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0

رشيد أخريبيش
من عجائب ما اخترعته أنظمة الاستبداد في العالم العربي، وفي دول المغرب الكبير، أسطورة "الفراغ "التي تحمل في طياتها مجموعة من المصطلحات ذات النزعة الاستبدادية مثل "الخوف من الفوضى" "الاستقرار " الزعيم الأبدي الذي بدونه لن تستقيم أحوال البلد ،فنتصور نحن الذين نردد دائما "عاش الرئيس " أن موت الحاكم أو اختفائه عن المشهد السياسي، سيكون بمثابة تحطيم للدولة ولقوتها ،وأسطورة الفراغ هذه التي اخترعها حكامنا العظام كانت من الأشياء الأساسية التي أسس عليها فرعون دولته، فكان عندما يخاطب قومه يجعل من نفسه الإله الوحيد الذي لا إله غيره ،"ما علمت لكم من إله غيري" والغريب في كل هذه الأسطورة التي اخترعها الحكام أنها ما تزال موجودة في عهدنا، وما تزال هذه الأنظمة الشمولية تستعملها بنفس الطريقة التي استعملها بها فرعون.

عندما كان رئيس مصر المخلوع حاكما لمصر لعقود مارس فيها كل أنواع الاستبداد، كان الكل يصفق للرئيس ،وكان الكل يظن أن محمد حسني مبارك هو الرئيس الذي لا يمكن لمصر أن تنهض إلا به، حيث تم تصوير الرجل على أنه الحكيم الذي تتنزل بفضله الرحمات على مصر وعلى أبنائها، وما هي إلا أيام حتى سقط مبارك وانتهت أسطورة الفراغ التي كان الشعب المصري يخشاها، والتي كان النظام يروج لها منذ أن تمكن من الوصول إلى سدة الحكم حتى ثورة 25 يناير ،ونفس الشيء كان قبل ذلك مع جمال عبد الناصر الذي صنعوا له محبين من كل الأقطار وصوروه على أنه البطل الذي لا يمكن العيش بدونه، فما كان منهم إلا أن قدسوه إلى درجة لا تتصور، بل هناك من العرب من كان يركع لعبد الناصر حبا وتقديرا له، ومن كان يقبل صوره ويهتف بحياته ،لكن ما إن رحل الرجل اكتشف الشعب المصري أنه كان مخدوعا من طرف النظام المستبد الذي يظهر نفسه بمثابة الإله وأن عبد الناصر ما هو إلا بشر مثله مثل باقي أبناء مصر، وأن الخوف من رحيله هو فزاعة خلقها نظامه للحفاظ على الاستبداد واستعباد الشعب. 
الشعوب في العالم العربي، وفي دول المغرب الكبير يبدو بالرغم من أنها عاشت تجارب في القمع والاستبداد، وبالرغم من أنها تجرعت السم الزعاف من هذه الأنظمة القمعية، وبالرغم من أنها اكتشفت أسطورة الفراغ التي اخترعها المستبدون ،فإنها على ما يبدو لم تتعلم الدروس وما زالت تكرر نفس الأخطاء، وتعيد نفس الرواية التي رددها الأجداد وهاهي بعض الأصوات من مصر تخرج علينا صباح مساء لتهتف بحياة المجرم عبد الفتاح السيسي الذي قتل شعبه بدم بارد وتعطيه الشرعية لقتل كل المعارضين في صورة بشعة، بل هناك من ألبسة عباءه المنقذ ومخلص مصر من الأشرار، حيث وصلت بهم الوقاحة إلى وصفه بالنبي المختار من عند الله لا يتصورون أحوال مصر وأبنائها بدون وجود قائد الانقلاب.
للأسف الشديد الشعوب تكرر نفس الأخطاء، وتعيد بناء نفس الخرافات التي صدقها الأجداد، ولم تتعض من تجارب الأنظمة المستبدة التي لا بد وأن تسقط مهما طال الزمان أو قصر .
المستبد ما هو إلا شخص ضعيف لا يملك من القوة شيئا، بل الشعوب التي تخنع وتركع هي التي تعطيه فرصة لكي يستبد ويستمر في طغيانه، وهذه الشعوب التي نراها الآن تهتف بحياة المستبدين نعتقد أنها تفعل ذلك من جراء تصديقها لرواية المستبد التي يروج لها من زبانيته، والتي غالبا ما تكون إحدى المصطلحات التي اخترعها الحكام مثل الخوف من التغيير،الخوف من الفراغ الذي سيحدثه إسقاط الحاكم المستبد ،والتخلص من الأوهام التي صنعها المستبدون من الأشياء التي يخشاها هؤلاء ،لذلك تجدهم يعلنون الحرب على كل الأصوات الحرة التي ترفض الاستعباد، ويتهمونها بالخيانة مع العلم أنهم هم أنفسهم من خانوا الأوطان واستعبدوا الشعوب، يا ليت قومي يعلمون.

0 تعليق على موضوع "من عجائب ما اخترعته أنظمة القمع في أوطاننا"


الإبتساماتإخفاء