من مكاسب حقوق الإنسان نقل جثامين الشهداء في شاحنات الأزبال

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0

رشيد أخريبيش 

كان لبلدنا كل الشرف لاستضافة المنتدى العالمي لحقوق الإنسان ،فذهب البعض إلى اعتبار أن احتضان المغرب لهذا المنتدى في نسخته الثانية يعتبر انتصارا للمغرب ولجهوده المتواصلة في مجال حقوق الإنسان ،فكان من هؤلاء أن أقاموا الدنيا ولم يقعدوها ، وصوروا لنا أن المغرب جنة حقوق الإنسان بدون منازع ، لكن الأقدار أتت على غير ما كان يتمناه هؤلاء، فكانت أن حلت أمطار الخير فعرت الواقع المؤلم الذي يعيشه الشعب المغربي ،كما أنها أظهرت للعالم كله حقيقة حقوق الإنسان داخل الوطن الحبيب ، وما تلك الصور المأساوية التي تناقلتها وسائل الإعلام الوطنية والدولية والتي تظهر جثث الشهداء وهي تنقل في شاحنة الأزبال إلا خير دليل على أن حقوق الإنسان في هذا الوطن تعيش أيامها الأخيرة .
لا نعرف حقيقة ما هي الصورة التي سيحاول المشاركون تقديمها للعالم في هذا المنتدى ، خاصة بعد فضيحة نقل جثث الشهداء في شاحنة مخصصة لنقل الأزبال ؟ وعن أي تقدم في مجال حقوق الإنسان سيتحدثون ؟
الصورة مأساوية وفظيعة ، فإذا كانت الأمطار قدر من عند الله يمكن أن تحدث خسائر في الأرواح في كل أنحاء العالم ، خاصة إذا لم تتخذ الحكومات الاحتياطات اللازمة في أغلب الأحيان ، فإن التعامل مع الضحايا يجب أن يضمن لهم الكرامة أحياء كانوا أو أمواتا ، أما نقل جثثهم في شاحنات للازبال فمهزلة كبرى سيبقى التاريخ شاهدا عليها ، بل المغاربة لن تنسيهم السنون فعلة هؤلاء المفسدين الذين عاثوا في بلاد المغرب فسادا ، حيث وصلت بهم الوقاحة إلى أن يتعاملوا مع الضحايا بنوع من الإهانة والاحتقار في مشهد مأساوي يظهر بجلاء قيمة المواطن المغربي الذي أصبح لا يساوي شيئا في نظر الحكومة المغربية التي طالما رفعت شعارات العهد الجديد وحقوق الإنسان المزيفة.
جميل جدا أن يحظى المغرب بشرف استضافة المنتدى العالمي لحقوق الإنسان ، وجميل أيضا أن نرى جعجعات بعض المغاربة الذين يطبلون لهذا المنتدى ويعتبرونه انتصارا حقيقيا لمجهودات المغرب في حقوق الإنسان كل هذا جميل ، لكن ماذا بوسع هؤلاء القول في هذا المنتدى وبأي واقع سيواجهون الدول المشاركة في هذا المنتدى ؟ هل سيواجهون هؤلاء بالقمع الذي ما تزال تمارسه الدولة على مواطنيها ، أم سيواجهونهم بالحرية التي أصبحت وضعيتها في خطر ، أم سيواجهون المنتدى بالمحاكمات الصورية التي تغيب فيها أدنى شروط النزاهة والعدل ، أم سيواجهون المشاركين بمثل هذه الصور الفظيعة التي تظهر كيف أصبحت جثث المواطنين المغاربة تنقل في شاحنات الأزبال، دون اعتبار لا للمواطنة ولا لإنسانية الإنسان الذي كان من الممكن أن يرد له الاعتبار.
أيها السادة الذين تتحدثون من أبراجكم العاجية إذا كان لديكم كل هذا الحرص على حقوق الإنسان، فإن هذه الحقوق تبدأ من الكرامة الإنسانية فكيف نستطيع أن نوهم أنفسنا والمغاربة بل والعالم بأسره بأن المغرب قطع أشواطا كبيرة في مجال حقوق الإنسان في حين أن الواقع مؤلم يندى له الجبين .
الدولة المغربية بعد الأمطار الأخيرة التي سقط على إثرها ضحايا كثر يمكن القول أنها أبانت عن جعجعاتها التي طالما أصدرتها أمام المغاربة وأمام دول العالم في مجال حقوق الإنسان ، فالصور المؤلمة التي شاهدها العالم تظهر حقيقة ما نقول ، فكيف بمن يدعي أنه قد حقق الانتصار في مجال حقوق الإنسان ، أن يهمل المغاربة في المغرب العميق يموتون بلا أدنى التفاتة ، وكيف بمن يلقي خطبا رنانة يمدح فيها واقع حقوق الإنسان أن يتفرج على المغاربة وهم يغرقون في المياه دون أن يتخذ الإجراءات اللازمة لإنقاذهم. 
صراحة بعد الكارثة التي حلت بإخواننا في الجنوب صدمنا من هول ما شاهدنا ، خاصة صور المواطنين الذين شمروا على سواعدهم لإنقاذ المواطنين الذين جرفتهم المياه ، حيث تجد هؤلاء يستعملون وسائل بدائية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في غياب تام للدولة التي من المفروض ان تقوم بذلك العمل ، كيف لا وهي من تصرف المليارات من اجل تكوين رجال الوقاية والإسعاف الذين يحتاجهم المغاربة في مثل هذه اللحظات الحرجة، فإذا كانت تلك الجيوش وإذا كانت تلك المعاهد التي تكلف ميزانية الدولة الكثير فيما يتعلق بتكوين رجال الطوارئ ، وإذا كان المواطنون هم من يواجهون الكوارث في جميع الحالات بوسائلهم الخاصة، فلا نعتقد أننا بحاجة إلى صرف تلك المليارات على تلك المعاهد التي يبدو أنها لم تحقق لنا تلك الأهداف المتمثلة في انقاذ حياة المغاربة ، فما يطبع تلك الكوارث يبدو أنه لا يتغير في كثير من الأحيان ، فإذا كان المغاربة قد تحدثوا مؤخرا عن تقاعس الدولة في إنقاذ ضحايا حي بوركون بالدار البيضاء ، فإن المشاهد من الجنوب هذه المرة تظهر صحة تلك الادعاءات ، فالدولة التي كان من المفروض أن تحمي المواطنين وتحقق لهم الكرامة الإنسانية هي من ذهبت إلى نقلهم في شاحنات للأزبال يا للأسف. 
من حق كل الدول أن تفتخر بمكانتها في مجال حقوق الإنسان ، ومن حقها أيضا أن تشيد بجهودها في إقرار حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا ، لكن بالنسبة للمغرب فما يزال موضوع حقوق الإنسان لم يتكرس في ممارسات الدولة التي تظهر من حين لآخر أنها بعيدة كل البعد عن مجال حقوق الإنسان ، فالحديث عن تقدم منقطع النظير في هذا المجال ، والخطاب النرجسي الذي طالما قدمته للشعب وللعالم بأسره هو فقط لذر الرماد في العيون وإظهار الواقع على غير حقيقته .
يجب على كل من يطبل ويزمر لهذا المنتدى أن يعرف جيدا أن من يستضيف المنتدى العالمي لحقوق الانسان لا يهين شعبه ولا يستبيح كرامته ، وان من يتحدث عن حقوق الإنسان ويحاول كسب ثقة المجتمع الدولي، لا يقمع المواطنين على المباشر في صورة مأساوية ، ومن يريد بالفعل أن ينخرط في مجال الحقوق والحريات وإقرارها لا يستهين بحياة الناس وبأرواحهم ، ولا يحملهم في شاحنات الأزبال إن قدر لهم أن يستشهدوا دفاعا عن حقهم في العيش كبشر .

0 تعليق على موضوع "من مكاسب حقوق الإنسان نقل جثامين الشهداء في شاحنات الأزبال"


الإبتساماتإخفاء