حلال عليهم وحرام على الأستاذ

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0

رشيد أخريبيش
كثيرا ما نسمع في منظومتنا التعليمية عن محاكمات بالجملة كلها تستهدف الأستاذ ، فمجرد زلة يسقط فيها رجال التعليم، تسخر الدولة كل ما تملك من وسائل للنيل من الأستاذ ، بل و تجدها تسارع من أجل اتخاذ كل الإجراءات التعسفية في حقه، في صورة تظهر حقد هؤلاء على رجال التعليم وعلى مهنة التعليم التي أذاقوها الويلات

.
كل المغاربة شاهدوا فيديو الأستاذ الذي قيل إنه استهزأ بتلميذته في القسم ، والكل شاهد كيف أطلق الكل العنان للهجوم على الأستاذ والنيل منه ، حيث لم يسلم هذا الأستاذ من ألسنة المغاربة جميعا، الذين تجندوا للدفاع عن حقوق الطفل وطالبوا وزارة التربية باتخاذ العقوبات الزجرية في حق الأستاذ دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتحقق لمعرفة حيثيات ما وقع .
ولأن "صحاب الحسنات " كثر في هذه البلاد السعيدة، فلا يفوتون فرصة إلا ويحاولون الانتقام من الأستاذ ، فمجرد فيديو يتم تسريبه على شبكات التواصل الاجتماعي يصل بسرعة فائقة إلى قبة البرلمان ليتجند الكل للهجوم على الأستاذ ضد ما يعتبرونه جريمة خطيرة يرتكبها الأساتذة في حق أبناء المغاربة ، فعندما يتعلق الأمر بأستاذ ارتكب خطأ بسيطا لا شك أن الثمن سيكون غاليا، أما إذا تعلق الأمر بمسؤول ارتكب جريمة في حق أطفالنا فلا حياة لمن تنادي فلا هجوم ولا عقاب ولا محاسبة ،ومن يتحدث عن هؤلاء يعتبر خارجا على القانون فوضوي مثير للفتن يستحق أقصى العقوبات يا للعجب 
إذا كان الكل قد أجمع على أن الأستاذ الذي ظهر على الفيديو قد استهزأ بتلميذته بالرغم من أن شهادة الأستاذ تنفي ذلك ، وإذا كان الكل يجمع على أن ذلك الأستاذ يستحق ما اتخذته وزارة التربية من تعسفات في حقه ، فإن هناك من الوقائع ما يضرب منظومتنا التعليمية في العمق، لكن لا أحد من هؤلاء تحدث عن الموضوع أو طالب بالتحقيق فيه ، وكلنا نتذكر السيد الوفا وزير التربية الوطنية سابقا الذي كان من حين لآخر يخرج علينا بسلوكات مهينة لم تستثني أحدا في قطاع التربية، بدءا من الأستاذ إلى كل الأطر العاملة بقطاع التعليم مرورا بالتلميذ الذي أذاقه الويلات ، وكلنا نتذكر تلميذة مراكش التي خاطبها السيد الوفا داخل القسم بخطاب لا أخلاقي "نتي أشكاديري هنا خاصك غي الراجل " وبعدها قصة المدير "وصاحبتو" دون أن يثير ذلك حفيظة من يدافع عن حقوق الطفل، والذين يجدون في مثل هذه الانزلاقات التي تحدث في بعض الأحيان ،الفرصة المناسبة للنيل من الأستاذ دون غيره، ليس هذا فحسب فسجل هؤلاء حافل بالمهزلات فكم مرة سمعنا عن مثل هذه الإهانات دون نسمع عمن يحاسب هؤلاء لمجرد أنهم أصحاب القرار ، وأصحاب القرار في بلد تنعدم فيه الديمقراطية وتغيب فيه حقوق الإنسان لا مجال لمحاسبتهم ، بل حتى الحديث عنهم محرم من عند الله .
بالفعل وأنا أتابع ملف الأستاذ الذي شيطنوه وجعلوا منه مجرما دون التأكد من حيثيات ما وقع ، تأكدت أننا في بلد لا يؤمن إلا بالشائعات ، فبمجرد أن يقرأ خبرا في صحيفة إلا وينتفض ويطالب بمحاكمة ذلك الشخص دون أن يتبين من ذلك الخبر ،خاصة وأن صحفنا وقنواتنا الإعدامية أصبحت منذ زمن بعيد بمثابة السيف المسلط على رقاب الأساتذة وذلك طبعا لإرضاء المخزن الذي يسبحون بحمده صباح مساء .
لا نستغرب من الحملة الممنهجة من طرف الدولة على رجال التعليم ، ولا نستغرب من مسلسل الانتقام الذي اتبعته الدولة على الدوام ، بل نستغرب من إعلام العهر الذي يبدو أنه لم يجد ما يقدمه للجمهور سوى الأستاذ بطريقة استهزائية تظهر بعده عن الإعلام الهادف ، فيكفيك أن تفتح إذاعة أو قناة من قنواتنا الجنسية أو جريدة من جرائدنا "المستقلة"، لتجد كما هائلا من الأخبار كلها تستهدف الأستاذ ، حيث أصبح هذا الأخير لقمة سائغة بين أيديهم تخصص له الأعمدة والصفحات للنيل منه ومن كرامته التي أصبحت رخيصة عند هؤلاء ، أما إذا تعلق الأمر بزلات من هم على رأس القرار فلا حديث ولا تنديد من هذا الإعلام الذي اعتاد على تزوير الحقائق حتى في أحوال الطقس. 
حكومة الإسلاميين الذين وصلوا إلى السلطة عبر استغلالهم الدين، والذين تجدهم الآن يعلنون الحرب على الأستاذ ، ليست لديهم الجرأة ليعلنوا فشلهم أمام الشعب ، وليست لديهم القدرة على تحقيق ولو ذرة مما وعدوا به المغاربة يوم أن فكروا الضحك على ذقونهم ، فبعد أن انكشفت مسرحياتهم وتبين زيف مشروعهم ، لم يجدوا سوى هذا الأستاذ المغلوب على أمره فقرروا الانتقام منه ليظهروا للشعب أنهم في خدمته ، لكن للأسف الشديد فحبل الكذب قصير كما يقال وزمن المسرحيات والخدع السياسية لم يعد موجودا ، لذلك فلا مجال لهم للاستمرار في مثل هذه المهزلات لأن ذلك سيكلفهم الكثير في القريب العاجل .

0 تعليق على موضوع "حلال عليهم وحرام على الأستاذ "


الإبتساماتإخفاء