ليس بالقانون وحده تحيا الطفولة

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0


رشيد أخريبيش
قد يكون القانون عنصرا أساسيا وضرورة لا بد من توفرها في السير بالعدالة إلى الاتجاه الصحيح ، ثم العمل على ردع المغتصب لكنه غير كاف تماما للقضاء على هذه السلوكات الحيوانية التي أصبحت تتكاثر وتزداد بسرعة تدمي القلب خاصة تجاه الأطفال.

كثير هي القصص والروايات التي نسمع عنها أو نشاهدها عبر إعلامنا المرئي أو المكتوب ، وكثير هي الزوبعات التي أثارتها في المجال الحقوقي دون أن تكون لذلك نتائج مرضية في صالح هؤلاء الذين تغتصب طفولتهم لا لذنب اقترفوه ولكن لمجرد أنهم في وضعية للآسف لا تمكنهم من الدفاع عن أنفسهم وسط مجتمع يحكمه قانون الغاب لا يعترف إلا بالقوة
لم تكن الطفلة وئام التي تم الاعتداء عليها بطريقة وحشية لا نستطيع حتى أن نتخيلها سوى صورة مصغرة لما يحدث لعشرات الأطفال الذين يعانون في صمت قاتل دون أن يجدوا من يسمع أنينهم ، فإذا كانت قضية وئام قد وصلت إلى الرأي العام وأخذت حيزا كبيرا في الوسائل الإعلامية ، فإن هناك في المقابل أطفال في عمرها أو أقل يعيشون نفس المعاناة دون أن نعرف عنهم إما بسبب التقصير من الوسائل الإعلامية وإما بسبب الخوف من العار الذي يجعل عائلات هؤلاء الضحايا يلتزمون الصمت ويرفضون الإفصاح عن جرائم الاغتصاب التي تطال أطفالهم
بالرغم من المناشدات التي تطلق من حين لآخر فيما يتعلق بوضع قوانيين جزرية في حق المغتصب ، وبالرغم من التحليلات التي تحاول التأكيد على تشديد العقوبات في هذا الشأن إلا أن كل ذلك يبقى عاجزا عن إعطاء تحليل منطقي لهذه الظاهرة التي استشرت ببلدنا الحبيب وانتشرت انتشار النار في الهشيم ، في غياب نظرة علمية دقيقة تسعى إلى البحث عن الأسباب التي جعلت أطفالنا عرضة لهذه السلوكات ، وليس البحث دائما في نتائجها والاهتمام فقط بتداعياتها التي غالبا ما يستعصي علينا فهمها لأن ذلك يترك آثرا سلبيا يصعب علينا علاجه حتى لو قوبل ذلك بالعناية وتضافر الجهود  
فالقوانين الزجرية والعقوبات المشددة لا تعطينا وصفة سحرية على ما يبدو للقضاء على ظاهرة الاغتصاب لأنها لا تجيب عن السؤال المهم والجوهري الذي أمامه علامة استفهام ضخمة كيف يمكن لنا العمل على حماية أطفالنا ؟ بأي الوسائل يمكن لنا تجنب تلك النتائج الكارثية التي وصلنا إليها الآن ؟
حري بنا أن نتوقف ولو للحظات لنعترف أمام أنفسنا بأن هناك مشاكل هي من تقف وراء ظاهرة اغتصاب الأطفال ، خاصة وأننا نعيش في مجتمع بكل البلايا مبتلى ، مشاكل جنسية يعاني منها الشباب المغربي ، وأوضاع اقتصادية تجعل من الزواج حلما صعبا إذا لم نقل مستحيلا ، بالإضافة إلى غياب تربية مبنية على احترام الآخر والعمل على ترسيخ مبادئ الإنسانية ونبذ كل ما يمكن أن يؤدي إلى العنف بكل الطرق ، خاصة وأننا نرى أن أغلب تلك الجرائم هي ترتكب من طرف المرضى النفسيين ، مما يؤكد فكرة أن هناك نقص في الجانب الطب النفسي الذي يلعب دورا مهما في التقليل من هذه الظاهرة ، لأن فرض العقوبات الزجرية وحتى إعدام هؤلاء في الساحات العامة كما يعتقد البعض لن يحل المشكلة لأن المشكل يكمن في كونه سلوكي نفسي ربما لن تنفع معه لا القوانين ولا العقوبات الزجرية خاصة وأننا بالرغم من تشديد العقوبات لم نرى أي نتيجة مرضية فيما يخص هذه الظاهرة بل على العكس من ذلك فهي في تنامي كبير وفي ازدياد مهول ما يجعلنا نعتقد أننا من الواجب علينا مراجعة ذواتنا ونوجه النقد لأنفسنا علنا نجد ما يمكننا من فهم ما يجري فهما صحيحا.
ظاهرة الاغتصاب تستوجب على المغاربة كسر جدار الصمت وكشف الستار عن أبشع الجرائم التي أصبحت تهدد مستقبل أطفالنا، في غياب الوعي وانتشار الجهل ، خاصة وأننا في مجتمع يجعل من كل المشاكل طابوهات مما جعل معالجة مثل هذه القضايا تكون صعبة للغاية
اليوم سمعنا عن اغتصاب وئام التي حركت ضمائر الشعب المغربي وقبله شاهدنا قضية أمينة الفيلالي وربما غدا سنسمع عن إسم آخر سيسجله تاريخ الاغتصاب بالمغرب خاصة إذا لم  نتخذ إجراءات عملية شجاعة تؤمن بإمكانية الكشف عن المستور ومناقشة كل القضايا دون قيد مع التشبث بفكرة أن المغتصب مهما واجهناه بقوة القانون فلن نستطيع ردعه .
 من الواضح أن الدول العربية ودول المغرب الكبير قد فشلت فشلا ذريعا في وضع حد لهذه الظاهرة التي استفحلت عكس نظرائهم في الغرب الذين يعانون نفس المشكل لكن بصورة أقل من هذه الدول التي ذكرناها ، فبعد أن تخلصت هذه الدول من كل الأفكار التي من شأنها أن تقف عائقا أمامها في مجال محاربة ظاهرة الاغتصاب استطاعت أن تقلل من ظاهرة الاغتصاب بالمقارنة مع دولنا التي لا زالت تتخبط دون أن تبحث عن مكامن الخلل والتي تنطلق من النظرة الضيقة التقليدية في معالجة هذه الظاهرة عكس الغرب الذي ذهب في اتجاه الكشف عنها وفضح كل ممارساتها .
قد لا نتعجب من تنامي ظاهرة اغتصاب الأطفال في المغرب خاصة وأننا لا نملك حتى الجرأة للحديث عنها ، ولا يدعو ذلك إلى الاستغراب مادام أننا نملك إعلاما هدفه الإفساد دون العمل على توجيه مادة إعلامية هادفة تسعى إلى تربية المواطن وتصحيح سلوكاته المعوجة عبر برامج اجتماعية وثقافية وليس برامج العري التي أصبحنا نشاهدها بكثرة في قنواتنا الإعدامية

0 تعليق على موضوع "ليس بالقانون وحده تحيا الطفولة"


الإبتساماتإخفاء