من تعظم على شعبه أهانه

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0

أخريبيش رشيد


قلما نجد حكاما في العالم العربي،لايهينون شعوبهم،وقلما نجد حكاما يتعاملون مع شعوبهم بنوع من التقديروالإحترام، منذ زمن بعيد والشعوب العربية تعاني ويلات ديكتاتوريات ،لا تحترم إرادة الشعوب،وتعمل كل ما في وسعها من أجل البقاء في السلطة .فتجارب هذه الأنظمة في العالم كله، أثبتت أنه مهما طال بطش هؤلاء ،ومهما بلغت قوتهم،فلا بد من يوم يذرفون فيه دموع التحسر والندم،على شعوب طالما أخضعوها بالقوة،وتكون بذلك نهايتهم مأساوية،إما عن طريق ثورات من شعوبهم،أو من طرف دول تسقطهم إما بالقوة عبر التدخل العسكري المباشر،أو عن طريق التدخل الغير المباشر،عبر تقديم العتاد والسلاح للثوار،والاعتراف بهم ،كممثلين شرعيين لبلدانهم.وما أكثر هذه الحالات في العالم الإسلامي،الذي لم تذق شعوبه طعم الحرية ،وتتمنى يوما تسقط فيه رؤوس الطغاة،الذين اختاروا القوة كسبيل وحيد لإخضاع شعوبهم،ويتجاهلون فكرة أن الشعوب مهما خضعت،ومهما قبلت بهؤلاء،فإن يوههم سيأتي،إما بالسلم أو الحرب.فالتجارب في هذا الشأن كثيرة ومتعددة،ونتائجها تتشابه من ديكتاتور إلى آخر،دائما نهاية تراجيدية،يكون بطلها حاكم مستبد ،تكون نهايته الإهانة من شعبه،الذي طالما أذاقه أنواع الإهانات.
فالرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك،الذي جثم على صدور الشعب المصري،لمدة ربع قرن ،لم يكن يعرف ان  نهايته ستكون بذلك الشكل،ومعمر الفذافي زعيم العرب،وملك ملوك افريقيا الذي كان سيحكم الشعب الليبي إلى اجل غير مسمى لولا شرارة الثورة ،التي جعلت حدا لحياته بطريقة بشعة، لم يكن يعلم هو الآخر أن نهاايته ستكون قريبة .فالحكام العرب ربما لا يستوعبون الدروس والعبر من أصدقاءهم ،الذين سبقوهم بالبطش والحكم الديكتاتوري.
فهؤلاء الحكام إما أن يبطشوا بشعوبهم،ويتملقون للغرب ومن ثم البقاء في السلطة،وإما  أن يكونوا في زمرة ما يسمى دول الممانعة التي غالبا ما يدفعون فيها ثمن ذلك كما هو الحال مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي كانت نهايته مأساوية وقدمته أمريكا كبش فداء وأضحية عيد للعرب والمسلمين، فالقذافي المعروف بتصريحاته الغريبة ،ومواقفه الشجاعة كان يعي جيدا أن أمريكا ستتخلص منهم واحدا تلوى الآخر،ولذلك ما فتئ يحذر أصدقاءه من نهاية مأساوية كالتي وقعت مع صدام حسين،لكن ربما كان يعتقد أن أجلها لم يحن بعد،وأن العرب والمسلمين أبعد من أن يحلموا بالحرية والديمقراطية.كذلك هو الشأن مع الرئيس اليمني عبد الله صالح، الذي تحدى الشعب وحمل شعار (فاتكم القطار) وظن أن رياح التغيير مرت دون أن تطأ بلاد اليمن،لكن كل آماله بأن يبقى في السلطة مجرد اعتقاد خاطئ ،بالرغم من استعماله السلاح ضد الشعب فلم يستطع أن يتحكم فيه،لأن هذه الشعوب تحملت كل ذلك العبء وكل ذلك الظلم لسنين عديدة،والآن مستعدة للتضحية بالغالي والنفيس من أجل التمتع بالكرامة والحرية والديمقراطية التي طالما تجاهلها حكامهم.
يبدو من خلال الربيع الديمقراطي و  ما نراه من تجارب خاصة في إزالة الأنظمة العربية الفاسدة التي تحكم بهواها،أن جل الحكام لم يستنبطوا العبر ،ولا زالوا يظنون أن زمن الخضوع والركوع مازال حاضرا في قاموس الشعوب في تعاملها مع الحكام،نفس الطريق تخطوه مجموعة من الأنظمة معتقدة أنها استثناء وحالة تختلف عن سابقاتها،ممن أطيح بها لتكون هي الأخرى ضمن زمرة من يستنجدون بحكومات غارقة في الخوف من أن تهتز عروشها يوما ما بفعل الرياح التي قد تصلهم وإن كانوا يتخذون التدابير الوقائية من أجل منع حدوث ذلك،فبشار الأسد الذي ورث الحكم الباطل عن أبيه هو الآخر لم يستوعب الدرس وتمادى في جرائمه ضد شعب لم يقبل بجزار الأطفال حاكما عليه،وأبى إلا أن يزيحه عن  الحكم ولو كلفه ذلك التضحية بنفسه، فالجرائم الوحشية التي اقترفها هذا النظام في حق الشعب السوري،لم تكن لتتواصل لولا المجتمع الدولي الذي يتستر عن جرائم الأسد،تحت ذريعة إعطاء مهلة للأسد للحوار، لكن الحقيقة أكبر من ذلك.
فأمريكا والغرب بشكل عام لا يريد للثورة السورية أن تنجح،ولا يريد للخطر الإيراني أن يزول في المنطقة بالرغم من العداء الذي يظهره لها في العلن،فبشار حامي إسرائيل لا يريد له المجتمع الدولي التنحي عن السلطة،لأن في ذلك خطر على أمن إسرائيل ،ويعتمد سياسة التخويف وعدم الدخول في حرب،لأن سوريا حليفة إيران إلى غير ذلك.فالدول العربية هي الأخرى كانت متحمسة أكثر لدعم الثوار،في الوهلة الأولى لكن ما نراه الآن يبين مدى تراجع الدول العربية عن مواقفها عن دعم الثوار في سوريا،يمكن أن نفسر هذا في اتجاهين اثنين فالتراجع في المواقف إما ناتج عن ضغط غربي على هذه الدول على عدم التدخل في شأن الدولة التي تحمي إسرائيل،أو لأن هؤلاء الذين يريدون دعم الثورة السورية،هم أنفسهم يخافون من يوم تستيقظ فيها شعوبهم ،ويكونوا بذلك قد أعطوا صفارة الإنذار لبدء العصيان والتشجيع على الثورات،ومن ثم الخوف من انقلاب السحر على  الساحر من يدري،فالدول العربية ومعها الدول الغربية لا تريد أن تحقن دم الشعب السوري،ولا تريد أن تتخذ موقفا ضد العدو الصديق بشار الأسد،الذي يظهر العداء لإسرائيل والغرب بينما هو في الحقيقة بيدق من بياديق العدو الصهيوني تحركه كيف شاءت .لا شك أن زوال بشار الأسد وإسقاط نظامه هو خسارة لإسرائيل والغرب بشكل عام،ولذلك نرى المجتمع الدولي لا يريد أن يتخذ موقفا شجاعا مما يحدث في سوريا، اللهم إذا كان ذلك بالتنديد واستنكار تلك الجرائم.فنهاية بشار ستكون كارثية أكبر من غيره،وسقوطه سيكون بأكبر الخسائر من سابقيه من الحكام العرب،وإن كانت المدة أطول.



0 تعليق على موضوع "من تعظم على شعبه أهانه"


الإبتساماتإخفاء