التدخل العسكري العربي في سوريا مغامرة غير محسوبة

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0

رشيد أخريبيش

بعد أن أخفق المجتمع الغربي في جهوده نحو تحقيق السلام في سوريا، وبعد أن عجز عن إيجاد حل لتلك الأزمة ووقف دوامة العنف وإراقة الدماء عاد الحديث من جديد عن إمكانية التدخل العربي عسكريا في سوريا حيث اعتبره البعض حلا مناسبا لإخراج الشعب من الأزمة بينما اعتبره البعض حلا غير مقنعا خاصة في وضع إقليمي يعرف توترات دائمة .
إذا كانت دعوة أمير دولة  قطر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قد لقيت قبولا من طرف العديد من الأوساط في العالم العربي والإسلامي نظرا لما تحمله من رسالة تسعى إلى إنقاذ الشعب السوري الذي يقتل ويذبح بدماء باردة كل يوم إلا أنها على ما يبدو ليست بالحل الأنسب للخروج من الأزمة .بالرغم من أننا لسنا من دعاة الديكتاتورية ولسنا ممن يطبل للأنظمة العربية التي أهلكت الحرث والنسل، وأعثت في الأرض فسادا ونتمنى أن تسقط هذه الأخيرة الآن قبل الغد، إلا أننا لا نتفق مع هذا الطرح المتعلق بالتدخل العسكري في سوريا والذي قد يودي بالبلد إلى مالا تحمد عقباها .
لفهم هذه الدعوة أكانت صائبة أو في غير محلها يكفينا أن نستحضر تدخل القوات العسكرية السورية في لبنان سنة 1976 واستحضار تلك الأزمة التي نتجت عنه والتي بقيت إلى حدود  2005 والتي لا زالت الدولة اللبنانية شعبا وبلدا تعاني من ويلاته إلى حدود الآن ،قد يقول قائل إن تجربة لبنان هي مختلفة تماما عن سوريا بدعوى أن الشعب السوري في حالة ثورة عكس الشعب اللبناني في ذلك الوقت و الذي كان يعاني من حرب أهلية أوجبت عليهم التدخل لإنقاذ البلد من الفتنة إلا أن كل هذه الحجج هي في نظرنا حجج واهية لا تستند إلى أي مقومات للاعتماد عليها .
بعيدا عن هذا الطرح الذي يقرأ ما يقع الآن بمعزل عما وقع في لبنان يمكن أن نضع ما يقع في سوريا الآن وما وقع بلبنان قبل سنين  في خانة واحدة بل يمكن القول أن ما وقع بالأمس هو نفسه الذي يقع الآن مع فارق زمني فقط .
فدعاة التدخل العسكري العربي في سوريا الآن يفندون أطروحتهم المزعومة بحجج واهية غير منطقية ،فإن سلمنا جدلا أن التدخل العسكري سيؤدي إلى إسقاط النظام وتحرير الشعب السوري إلا أن هناك سؤالا جوهريا يضع أمامنا أكثر من علامة استفهام من يضمن للشعب السوري بعد التدخل العسكري أن تصبح سوريا حرة مستقلة من أي تدخل في شؤونها ؟ من يضمن للسوريين أن يعيشوا بسلام آمنين،و هل سيقيهم ذلك التدخل من شر الفتنة التي قد تكون الأشرس من تلك التي يعيشونها مع النظام المجرم .
عبر تجارب شتى والتي كانت شبيهة بهذه الدعوة التي أطلقها أمير قطر كانت غالبا ما تتحول هذه التدخلات العسكرية  من تدخلات هدفها  مساعدة الشعوب إلى تدخلات عسكرية احتلالية جثمت على صدور الشعوب لسنين إن لم نقل لعقود طويلة .
غير بعيد عن مثال لبنان  وسوريا يمكن القول أن هناك أمثلة في العالم بأسره تؤرخ لمثل هذه المرحلة التي خلفت إرثا استعماريا لا زالت بعض الدول تعاني من ويلاته إلى حد الآن ،فإذا كانت قطر صاحبة هذا الطرح تعتقد أنها نجحت في جلب حلف الناتو إلى ليبيا وتمكنت من القضاء على فرعون العصر  فإنها مخطئة هذه المرة بإقناع العالم العربي والإسلامي بالتدخل في سوريا وإعادة نفس المسرحية التي حدثت في ليبيا وإن كانت هذه المرة تحت غطاء عربي .
فليبيا الحرة كما يفضل البعض تسميتها وإن كانت قد تخلصت من ديكتاتور جثم على صدورها لعقود ورفض التنحي إلا بعد صراع طويل أدخله مزبلة التاريخ إلا أنها في المقابل فتحت على مصراعيها  للغرب ولكل الغزاة الذين لم يجدوا طريقا لاحتلال تلك الدول إلا عبر غطاء عربي يمهد له الطريق ويقدم له إشارات الاطمئنان على مستقبله،وإن كانت هذه الأخيرة توهمنا بأنها الآن تعانق الحرية وتنعم بالديمقراطية .
يمكن القول أن دعوة قطر بإرسال قوات عربية إلى سوريا قد توضع أمامها علامات استفهام ضخمة والمتعلقة بكيفية هذا التدخل ومسألة حسم المعركة التي تبدو صعبة للغاية خاصة في بلد مثل سوريا المعقد جغرافيا .
قد يكون هذا التدخل الذي دعا إليه أمير قطر هو بمثابة الإعلان عن حرب عربية إيرانية مع دعم من وكلائها في العالم العربي والذين لا يفوتون فرصة إلا ويطبلون ويزمرون لها ،ويقدمون لها ولائهم وطاعتهم كما هو الشأن مع حزب الله الذي لا يخفي استعداده لمساعدة إيران في مواجهتها أي تدخل أكان هذا التدخل غربيا  أو عربيا .
لا يمكن لنا الحديث عن مخاوف من نشوب حرب عربية إيرانية في المنطقة إذا ما تم تفعيل قرار التدخل في سوريا دون الحديث عن موقف الدول التي تملك حق الفيتو والتي تعارض .أي تدخل عسكري كيفما كان نوعه في سوريا والتي ستقف سدا منيعا ضد أي تحرك يمكن أن يطال سوريا .
إذن المرحلة القادمة صعبة للغاية لا بالنسبة للشعب السوري الذي يعيش تحت رحمة الذبابات والقصف الهمجي ولا بالنسبة للنظام الذي لم بدأ يعيش أيامه الأخيرة ولا بالنسبة للدول الغربية التي تحاول أن تجد مدخلا لها إلى سوريا والذي تفضل أن يكون عبر بوابة عربية .
  
    


0 تعليق على موضوع "التدخل العسكري العربي في سوريا مغامرة غير محسوبة"


الإبتساماتإخفاء