القمة المغاربية وحلم الوحدة الضائع

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0


القمة المغاربية وحلم الوحدة الضائع

أخريبيش رشيد 
جميل جدا أن نسمع عن كلمة القمة المغاربية هذه الأيام،وجميل أن يسترجع المواطن المغاربي بعض مما تبقى لديه من ذكريات الأحلام والآمال التي هجرت مواطني الشعوب المغاربة ،بل يمكن القول أن هذه الشعوب بات حلم تسوية ملفاتها العالقة بينهم من المستحيلات لا لشيء سوى أنهم قدر لهم أن يعيشوا تحت رحمة حكام بسطوا نفوذهم وصنعوا مشاكلا من أجل ضمان استمراريتهم ،محافظين على عروشهم ،ليبقى الخاسر الأكبر في النهاية هو الشعب المغاربي بأكمله الذي يدفع ثمنا غاليا منذ أن صفى الاستعمار ولم يكن يعتقد أنه سيواجه استعمارا من نوع آخر يسلب الحقوق والحريات ،ويمنع حتى صلة الرحم بين أبناء الوطن الواحد.فهل يا ترى ستستطيع حكومات هذه الدول أن تحرك المياه الراكدة وتعيد بناء المغرب الكبير ،وتعيد رسم خارطة المغرب الإسلامي بقمة لم تكن ليعلن عنها لولا شرارة البوعزيزي وأمثاله الذين أعادوا كتابة التاريخ التونسي والعالم الإسلامي والعربي بماء العيون،وقدموا أغلى ما يملكون دفاعا عن الحرية والكرامة؟
قد لا نجد من الشعوب المغاربية التي تجمعها اللغة والثقافة ويجمعها الدين الإسلامي الحنيف ،من ينتقد مثل هذه المبادرات النبيلة ويعادي الوحدة المغاربية ،إلا إذا كان من الذين يريدون زرع الفتنة بين شعوب المنطقة أو ممن لديه مصلحة في أن يبقى الصراع كما هو خدمة لأجنداته الخاصة وهؤلاء هم من ساهموا في وأد الوحدة وساندوا فكرة التفرقة بين الإخوة ،لكن إلى أي حد ستنجح القمة المغاربية في التقليل من حدة الصراع الذي عمر طويلا؟إلى أي حد ستنجح هذه القمة في التخفيف من الخلاف المغربي الجزائري الذي عمر طويلا ؟
كلما ظنت الشعوب المغاربية أن معاناتها ستنتهي مع مجيء أنظمة جديدة وتغيير حكومات ،تعود الخلافات السياسية بقوة خاصة بين المغرب والجزائر اللذان تعاني شعوبهما الأمرين لا من حيث المسار الحافل بالخدع الذي تسلكه الأنظمة الحاكمة ولا من حيث الصراع الدائر الذي عمر طويلا،والذي تسعى الأنظمة استغلاله من أجل أن يبقى الوضع على ما هو عليه ليبقى كل طرف يشيطن طرفا آخر،ويبقى كل واحد منهم يحاول جعل منافسه عدوا وجب القضاء عليه.
من يتتبع مسار علاقات الدول المغاربية سيكتشف أن هذه الدول تعيش أزمة علاقات خاصة وأن هذه الأخيرة منذ زمن طويل وهي تعرف نوعا من الجمود السياسي الذي أثر سلبا على الإقتصاد وعلى قطع جسر التواصل بين البلدين،لا ننكر أن مثل هذه القمة المغاربية التي دعا إليه الرئيس التونسي ستلقى ترحيبا لدى شعوب المغرب الكبير إلا أنها لن تحقق المبتغى فيما يخص قضايا مصيرية مثل قضية الصحراء التي لا تخفي الجزائر دخولها كطرف في النزاع ،فالجزائر ليست مستعدة تماما لفتح الحدود مع المغرب، فما إن كانت هناك مبادرة من المغرب تقضي بفتح الحدود إلا ولقيت رفضا من دولة الجزائر التي تعتبر الوقت غير مناسب لفتح الحدود وإعادة المياه إلى مجاريها،وبذلك تعني قضية الصحراء .فالعلاقات المغربية يمكن اعتبارها قنبلة موقوتة تحتاج لأكثر من جهد ،من أجل منعها من الإنفجار،فالأزمة بدأت مع الاستعمار وبعده،فمع الاستعمار عندما كانت فرنسا تقتطع أراضي من المغرب لضمها إلى مستعمرتها في الجزائر،معتقدة أن الجزائر ستبقى مستعمرة فرنسية خالدة،وبعد الاستعمار على إثر مجموعة من الأحداث التي زادت من تعقيد الأزمة ،ولرصد كرنولوجية هذه الأزمة سنجد البداية كانت مع اختطاف الطائرة المغربية التي كانت تقل قادة جزائريين 1956،ثم حرب الرمال التي اندلعت في الحدود بين المغرب والجزائرسنة 1963،ثم اقتسام الصحراء بين المغرب وموريتانيا سنة 1974 بدون استشارة الجارة الجزائر التي لم تستسغ لهذا الأمر وبدأت بنهج طريق مواجهة المغرب عبر دعم جبهة البوليساريو،ومما زاد العلاقات المغربية الجزائرية تعقيدا هو التفجير الذي حدث في مراكش سنة 1994 والذي اتهمت المغرب الجزائر بأنها المسؤولة عن ذلك خاصة وأن منفذي العملية من أصول جزائرية.
بهذا لا نقول إن إعادة العلاقات بين البلدين بعيدة المنال ،فقد حدث أن قامت الجارتان بعد وفاة الحسن الثاني بفتح الحدود وإعادة العلاقات إلى عهدها لكن سرعان ما تبخرت تلك الأحلام بسبب المجزرة الرهيبة التي ذهبت ضحيتها 36 مدنيا جزائريا على يد الجماعات الإسلامية المسلحة حيث اعتبرت الجزائر أن الجماعات الإسلامية لديها معاقل وقواعد في المغرب ،ليبقى حلم الإتحاد دول المغرب الكبير مجرد حلم يراود الشعوب، فالسؤال المطروح هنا من يدفع ثمن كل هذه الأزمات؟طبعا وبلا أدنى شك فشعوب هذه الدول هي من تدفع ثمن تلك الحماقات التي كانت صنيعة من طرف الحكام ،حيث تمثلت في التعالي والعجرفة ورفض الآخر،دون تحقيق التعاون لحل الأزمات التي تعصف بهذه البلدان وهو ما وقع مع الزعيم الليبي الأسبق بعد حادثة لوكربي التي على إثرها فرض المجتمع الدولي عقوبات ليبية مما جعل ليبيا تحتج على مواقف الدول المغاربية التي أيدت الحصار وخرجت عن مهاهدة ما سمي بمعاهدة المغرب العربي ،ودقت بذلك إسفين القطيعة والتباعد بين البلدان المغاربية.

نحن بهذا لسنا ضد الوحدة،ولسنا ضد أي مبادرة تجمع البلدان المغاربية وتعيد الأمل الضائع ،ولكن حري بزعماء هذه البلدان التخلص من فكرة الأعداء الإخوة ،والكف من توجيه سهام المواجهة والصراع للإخوة،والتفكير في مستقبل الشعوب التي عانت ويلات هذا التشرذم وهذه التفرقة التي طال أمدها ،ومحاولة وضع الملفات العالقة على الطاولة وفتح نقاش جدي وحقيقي من أجل بناء إتحاد المغرب الكبير،وأن نتعلم الدرس من أوروبا ومن فرنسا وألمانيا بالتحديد اللتان عاشتا أزمات خانقة في حروبهما المدمرة ،والآن نسمع عن احتفالهما بنصف قرن من المصالحة والصداقة،قد يقول قائل إن هذه الدول مختلفة تماما عن الدول التي تنعم شعوبها بالديمقراطية ولا تستهويهم المصالح الشخصية ولا نزعات حكامها وهذا ما لا ينكره أحد،ولا يمكن مقارنته بما يقع عندنا في دول المغرب الكبير ،حيث تقع أم الأزمات والصراعات التي بدأتها الأنظمة الديكتاتورية وساهمت في نشرها سعيا منها إلى استمرار التفرقة والصراع ليبقى الصراع  ليس على الكرسي وإحقاق الديمقراطية ،وإنما الدفع بعجلة الصراع نحو الشعوب من اجل التناحر فيما بينهم ،متجاهلين ما يجمع هذه البلدان من أواصر الصداقة والأخوة واللغة والدين،تجعلهم أكثر حرصا على بناء الوحدة وبناء مغرب الحلم الضائع 

0 تعليق على موضوع "القمة المغاربية وحلم الوحدة الضائع"


الإبتساماتإخفاء