رغيف خبز قاتل

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0

رشيد أخريبيش

30/12/2017

لقد اقتنعنا بما فيه الكفاية أنّ مطالب الشّعب ليست سياسية على الإطلاق، ولقد أقنَعُونا مرارًا أنّ ما يحدث لا يعدو أن يكون مجرد مطالب بسيطة لا تصل إلى مستوى  المطالب الكبرى للشعب، وها نحن قد اقتنعنا وصدّقنا وآمنا بتأويلاتهم عن مطالب الشّعب البسيطة

وقد آمنّا بمنطقهم الذي ينكر ما يحدث من غليان  داخل الوطن،

لكن هل يستطيع هؤلاء  أن ينكروا أنّ المغاربة يعانون من المجاعة ؟

قد يستهزأ البعض من كلامنا هذا لكون العديد مناّ لم يتخلص بعد  من البروباغندا المخزنية التي مازالت  تصوّر   المغرب جنّة عدن وأنه بلد الخيرات.

نعم هو بلد الخيرات وبلد الثروات، وبلد العصابات أيضا، التي سرقت ونهبت وحصدت اليابس والأخضر، ولم تترك لنا سوى الموت الذي أصبح يعلو جرائدنا وقنواتنا والذي يتصدر عناوين الأخبار في العديد من دول العالم التي طالما نصور لها المغرب في صورة البلد الذي حقق تقدما منقطع النظير.

  السؤال الذي يُحيّرني دائماً والذي أقف مذهولاً عندما أطرحه وهو إذا كان هؤلاء يستعبدوننا إلى ما لا نهاية، وإذا كانوا قد نهبوا كل خيراتنا ولم يتركوا لنا سوى الظلم والقهر والجوع والاستبداد وكذلك الموت الذي يوزع علينا آناء الليل وأطراف النهار، فلماذا نخاف أن نطالب بحقوقنا؟ ولماذا نخشى الخروج من الاستبداد والقطع مع الفساد ؟

ثم لماذا نصبر على الموت في حاويات الأزبال وفي المستشفيات وفي الإدارات ولا نرضى أن  نموت بشرف؟

كم نحن أغبياء في هذا الوطن نفضل أن نموت من أجل كيس طحين، ونفضل أن تزهق أرواحنا من أجل رغيف خبز لا يسمن ولا يغني من جوع ومع ذلك نتشبث بأن نكون دائما نحن “الضحايا”

كل الذين فقدوا أرواحهم كانوا يبحثون عن لقمة عيش، وكل الذين ماتوا فقد ماتوا وهم في بحث عمّا يسدّون به رمقهم  فالحكومة أقصى ما يمكن أن تفعله تجاه هؤلاء الذين يقتلهم الجوع هو أن تتكفل بتوفير الأكفان وكذلك الدفن بالمجان.

تم طحن  محسن فكري عندما كان يبحث عن لقمة عيش واستشهدت نساء من أجل حفنة طحين، واستشهد آخرون   أثناء محاولتهم  البحث عن قوت يومهم في باطن الأرض،  ومات الآلاف في مياه المتوسط هرباً من جحيم الوطن ،ومع ذلك فهم يُصرّون على أن يصوّروا المغرب على غير حقيقته.

هم يخافون من المطالب السيّاسية ويستهينون بالمطالب الاجتماعية، وقد تناسوا أن  الظلم إذا استفحل  قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه و في التاريخ عبرٌ لمن يريد أن يعتبر.

كل يوم نرى موتنا يرفرف عاليا، كل يوم نُحسّ  فيه أنّنا مجرد أرقام عند أصحاب التعويضات الخيالية،الذين يتفرجون على موتنا من مكاتبهم المكيفة.

لم يُكلّفوا أنفسهم عناء مناقشة ما يحدث للشّعب ولم يعيروا اهتماما لهؤلاء الذين يتساقطون يوميّا، الذين  يجمعهم هدف واحد وهو  البحث عن رغيف خبز.

ربّما حكومتنا مشغولة بوضعها المتقدم في الاتحاد الأوربي، وبشراكاتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك بمشاريعها التنموية في افريقيا، ولا مجال لها لتقف على مثل هذه الحوادث المتفرقة التي لا طائل من ورائها.

الكل الآن يتفرج على موتنا ولا أحد يرى أن ذلك يعنيه، مع أن الجميع  سيلقى نفس المصير الذي لقيه هؤلاء.

نحن سكتنا على الظلم وتعايشنا معه حتى أصبحنا نعتقد  أن ما أصاب الكثير منا لن يصيبنا، وأن ما لحقهم من ظلم، بعيد كل البعد عن أهلنا وعن آبائنا، دون أن ندرك أن الجميع  مستهدف في هذا الوطن وأنّ الاستبداد لن يستثني أحداً، فكما أنّ المجاعة تحصد أرواح الكثير ممّن نفضل أن نتفرج على موتهم فإنّ دور الباقي  سيأتي.

مهما حاول البعض أن يتهرّب من هذه الحقيقة فإنّه سيقف عليها طال الزمان أو قصر،  والظلم في بلداننا وصل إلى حد لا يطاق، والاستمرار في إنتاجه لا يمكن أن يؤدي في النهاية إلا  إلى الكثير من المآسي ، والأيام بيننا.

0 تعليق على موضوع "رغيف خبز قاتل"


الإبتساماتإخفاء