كلنا ضد اعتداءات باريس ولكن

الكاتب بتاريخ

لا يمكن لعاقل في هذا العالم إلا أن يندد بما وقع في فرنسا، ولا يمكن لأي. إنسان إلا أن يجنح إلى السلم ويرفض الإرهاب الذي أصبح يهدد أمن العالم بأسره وهذا من جملة ما نؤكد عليه دائما ،حيث نعتقد أن قتل أي إنسان كيفما كان بدافع ديني أو عرقي أو أي سبب آخر، هو جريمة نكراء تستحق من الجميع الإدانة والشجب ولكن مع ذلك فإن هناك العديد من النقاط التي يمكن أن نطرحها بخصوص هذه الإعتداءات الإرهابية التي أودت بمقتل أكثر من 140 شخصا خاصة وأن هذه العملية أحدثت رعبا في العالم من حيث حجم العملية، ومن حيث عدد الضحايا الذين سقطوا في هذه العملية التي جعلت دولا أوروبية تعلن حالة الطوارئ تجنبا لوقوع المزيد من الهجمات. 
كلنا نتفق مع فكرة أن الإرهاب أفيون الشعوب، وبأنه الخطر الذي يمكن أن يهدد سلامة الشعوب والأوطان. كل هذا معروف ولكن هناك سؤال يطرح من الذي صنع هذا الإرهاب، ومن الذي ساهم في تغذيته لينتشر في أنحاء العالم انتشار النار في الهشيم ؟وما هو دور فرنسا في إشعال نار الإرهاب التي تحصد اليابس والأخضر والتي تضربها في عقر دارها ؟ 
الكل يعرف أن الدول الغربية الآن التي تطارد الإرهاب الآن والتي تعهدت بمحاربته في كل مناطق العالم كانت هي السبب في انتشار هذا الوباء القاتل الذي يفتك بالدول، والذي يهدد أوطانا بأكملها، وبأنها هي من صنعته عبر إعلان الحرب على الأبرياء في أكثر من منطقة في العالم .
فرنسا الآن التي تعرضت لاعتداء إرهابي شنيع كان وراءه تنظيم الدولة كما أكدت كل المصادر هي الآن تتألم كما تألمنا نحن أيضا لؤلئك الضحايا الأبرياء الذين سقطوا في هذا العمل الإرهابي الجبان. ولكن مع ذلك نجد أن حكام فرنسا الذين يطالبون العالم بالوحدة من أجل مواجهة الخطر الإرهابي هم السبب في انتقال الصراع إلى أرضهم ،وهم السبب في كل الذي يحدث في بلادهم. 
لا أحد يستطيع أن ينكر أن فرنسا لم تدع منطقة إلا وأشعلت فيها الحرب، ولم تدع بلدا إلا و أذكت فيه صراعات وحروب طائفية، ولا أحد ينكر أن فرنسا لها يد كبرى في كل الأزمات التي تحدث في الأوطان العربية وفي دول المغرب الكبير ولا أحد ينكر أن فرنسا مارست استعمارا تقليديا في السابق، وارتكبت جرائم ضد الإنسانية ومازالت ترتكب أبشع الجرائم في دول العالم الثالث عبر تدخلاتها في شؤون الدول الآن، لذلك نجد أن تلك الهجمات بالرغم من أننا ندينها ولا يمكن أن نبررها في أي حال من الأحوال إلا أننا نقول إن تدخلات فرنسا في العالم الإسلامي سبب لها الكثير من المتاعب وربما أدخلها في حرب خطيرة ستكلفها الكثير خاصة مع وجود شعوب في العالم الإسلامي مستاءة من سياساتها تجاه بلدانها خاصة ما يتعلق بدعم فرنسا للديكتاتوريات التي عاثت في البلدان خراب وما يتعلق بالتدخل العسكري لفرنسا في دول كثيرة وخاصة في مالي و النيجر و أفريقيا الوسطى وكذلك دعم فرنسا للمسيحيين بالسلاح من أجل قتل المسلمين في أكثر من دولة 
الكل تألم لهول ما وقع ،والكل تضامن مع فرنسا إثر تلك الإعتداءات الإرهابية والكل ندد بالإرهاب وبمن يدعمه بما في ذلك الدول الإسلامية ولكن هل يتألم الغرب إزاء ما تفعله طائرات الغرب في كل من سوريا والعراق وهل يتألمون إزاء أولئك المدنيين الذين يسقطون بالمئات في اليمن بدعوى محاربة الإرهاب ولماذا لا يكون مثل هذا التضامن مع أولئك الذين يمزقون إربا إربا في ليبيا، بعد أن تدخلوا وفتحوا ليبيا على مصراعيها للإرهابيين الذين أعادوها إلى الوراء لعقود من الزمن .
على فرنسا الآن التي تريد أن تحارب الإرهاب أن تعيد النظر في سياساتها تجاه المسلمين والتي يمكن وصفها بالإرهابية أيضا، وعليها أن تعرف جيدا أنه طالما تساعد على قتل المدنيين في بلدان أخرى فإن ذلك لن يمنع عنها المزيد من الهجمات سواء من تنظيم الدولة الذي بات أقوى أكثر من أي وقت مضى، رغم الحرب المعلنة عليه أو من غيره من الجماعات المسلحة التي تتحين الفرص للانتقام. 
الآن نرى تعاطفا دوليا كبيرا مع ضحايا باريس كما لاحظنا تضامنا كبيرا مع أحداث شارلي إبدو، حيث وجدنا أن العالم كله قد أعلن التضامن مع فرنسا صغارا وكبارا بينما عرفت دول تفجيرات قتل فيها المئات من الأبرياء ومع ذلك لم نر مثل هذا التضامن الكبير مع الضحايا فهل التضامن مع الضحايا يفرق هو الآخر بين الأوروبي وبين الإفريقي أو الأمازيغي أو العربي وهل الإنسانية هي الأخرى تكون حاضرة فقط عندما يتعلق الأمر بالإنسان الأوروبي أو الأمريكي بينما عندما يتعلق الأمر بإنسان من دول العالم الثالث فلا حديث ولاهم يحزنون.
قبل أيام وقع تفجير إرهابي في الضاحية الجنوبية في لبنان ولم نسمع حديثا للعالم حول هذا العمل الإرهابي، ولكن ما إن وقع التفجير في عاصمة الأنوار إذا بسيل من الإدانات يأتي من كل حدب وصوب فحتى شعوبنا ذهبت إلى أبعد مما نتصور فبدأ البعض منها في وضع علم فرنسا على حسابه على الفيسبوك تضامنا مع الضحايا والمصيبة أن هذا الفعل تزامن مع حدث كبير في بعض الدول، ألا وهو ذكرى عيد الإستقلال وذكرى التخلص من فرنسا الاستعمارية التي عاثت في بلادنا خرابا. 
لم نكن صراحة نعلم أن دمنا رخيص إلى هذا الحد، ولم نكن نعلم أن موتنا لا يحرك شعرة في جسد الغرب ولا حتى في جسد إخواننا من الذين يسارعون إلى تلطيخ حساباتهم الفايسبوكية بعلم فرنسا ،فكلنا ضد الإرهاب وكلنا ضد استهداف المدنيين كيفما كانت ديانتهم وأجناسهم ولكن لا يجب أن يتعدى ذلك إلى الإشادة بفرنسا وهي الدولة التي ارتكبت جرائم في حق الإنسانية مازالت جروحها لم تندمل إلى حدود كتابة هذه السطور.

0 تعليق على موضوع "كلنا ضد اعتداءات باريس ولكن "