ألم يأتكم نبأ الوزير الحكيم

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0

رشيد أخريبيش
كنا نظن أن لا آثر للحكماء في بلدنا ، وكنا نعتقد أن الحكمة خرجت من أفواه من سبقونا إلى هذه الارض ولم تعد موجودة ، لكن المتتبع لما يجري في الساحة السياسية في بلدنا، سيعتقد أن الحكمة لم تنقطع، والدليل ساستنا العظام الذين طالما يخرجون علينا بحكم مأثورة، سيبقى التاريخ شاهدا عليها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، آخرها ما صرح به وزير التشغيل السيد عبد السلام الصديقي في إحدى البرامج الاذاعية عندما أكد أنه لم يعد راعيا للغنم كما كان في بداية حياته، بل أصبح "كيسرح بنادم حسب قوله في إشارة من السيد الوزير إلى أن مهمته في وزارة التشغيل لا تخرج عن العلاقة التي تجمع الراعي بقطيعه ،وهذا فضل من السيد الوزير وشرف للمغاربة جميعا الذين أوصلوه إلى السلطة، أن يصفهم بالقطعان التي يستطيع أن يقودها كيفما شاء وفي أي لحظة شاء .

بعد الضجة الإعلامية الكبيرة التي أثارها تصريح السيد الوزير ، وبعد الكثير من الانتقادات التي انهالت عليه من كل حدب وصوب ، خرج علينا وزيرنا المحترم، وقال إنه لم يكن يقصد بكلامه الشعب المغربي وإنما أولاده وأفراد عائلته ،في محاولة منه لإخماد نار الانتقاد التي اشتعل لهيبها، بعد هذه التصريحات المهينة التي لا تمت بصلة لا إلى مقام الرجل ولا إلى المهمة التي يحملها على عاتقه .
حتى لو ذهبنا في اتجاه ما أكده السيد الوزير ، وحتى لو صدقنا رواية أن ما كان يقصده هو عائلته، فإن ذلك لن يعفيه من التهمة ،لأن تشبيه أي كان بالبهائم حتى لو كانت عائلته هو جرم أخلاقي من الصعب تجاوزه خاصة ، من وزير له مكانته داخل الحكومة .
للأسف الشديد وزيرنا المحترم الذي ينتمي إلى حزب التقدم والاشتراكية ، لم تكن هذه هي الهفوة الآولى التي سقط فيها الرجل ، بل سبق أن سقط في فضيحة كبرى، بعدما تدخل بصفته وزيرا في حكومة السيد عبد الاله بنكيران، لدى الشرطة لتخليص زوجته، بعد أن صدمت شرطيا للمرور بمدينة القنيطرة ، متحديا كل القواننين والأنظمة في بلد، قيل لنا إنه بلد العهد الجديد، وبلد الديمقراطية وحقوق الإنسان .
وزيرنا المبجل بعدما عجز عن مواجهة ما يعانيه قطاع التشغيل من أزمات يندى لها الجبين، خاصة ما يتعلق بشبح البطالة الذي يؤرق المغاربة جميعا، حيث حسب الإحصائيات الأخيرة قد بلغ عدد العاطلين في بلدنا مليون و167 ألف ثلثهم من النساء ،اختار السيد الوزير أن يتهكم على المغاربة ، الذين أوصلوه إلى ذلك المكان الذي لا يستحقه ، فكيف يستحقه وهو العاجز عن فعل أي شيء تجاه ما يواجهه هذا القطاع من مشاكل أثقلت كاهله كما اعترف هو بنفسه، وذلك في رد له على سؤال طرح عليه من طرف المعارضة أمام مجلس المستشارين حيث قال بالحرف الواحد "إلى عندك شي وصفة جاهزة للبطالة قدمها لينا وسنطبقها فورا " في إشارة منه إلى أن الحكومة عجزت عجزا تاما عن القيام بمهمتها على الوجه المطلوب كما كنا نظن في البداية.
فإذا كان السيد الوزير لا يملك وصفة حتى ولو لم تكن سحرية ،لمعالجة الاختلالات في القطاع الذي هو على رأسه ،وإذا كانت حكومته قد وقفت في بداية الطريق، وعجزت عن تحقيق ،ولو جزءا بسيطا من تلك الوعود الوردية التي قدمتها للشعب ،يوم قررت أن تبيع الوهم للمغاربة ،فأنه كان الممكن أن يتخذ الحل الأسهل ويستقيل من الحكومة ،بدل أن يلوث سمعته بمزيد من الفضائح التي عرته أمام المغاربة جميعا .
كان من الممكن لهذا الكلام أن يجر السيد الوزير إلى القضاء ،لو كان في بلد ديمقراطي يحترم نفسه ، وكان من الممكن أن تتم مساءلته اثر ذلك الفعل المشين الذي يسيء للمغاربة ، ولكن وبما أننا نعيش في بلد لا يعرف للديمقراطية طريقا ، وبما أننا في ظل حكومة أطلقت العنان للمفسدين لاستكمال مشوارهم ، وأعطتهم صكوك العفو بعد أن كان شعارها هو محاربة الفساد والمفسدين ، فإن ذلك لن يحدث بل يجب أن نتوقع من هؤلاء المزيد من الاهانات الموجهة ضد الشعب. 
على المغاربة جميعا أن يعرفوا جيدا أنهم مهما حاولوا أن يضعوا الثقة في هؤلاء الساسة ، ومهما قدموا من تنازلات، فإن من يشرع ومن ويقرر من أبراجه العاجية، لا يفهم تضحيات هذا الشعب ، بل الشعب في نظهرهم مثل القطعان العمياء التي تهرول جهة الصوت والتي يسهل اقتيادها واستئجار رعاة لها ، وهذا هو المنطق الذي يوجد لدى أغلب الوزراء في حكومة السيد عبد الاله بنكيران الذين أعادوا بالمغرب إلى الوراء لعقود من الزمان. 
فما تفضل به السيد الوزير من كلام يبعث على القلق الكبير ، ليس فقط لأنه كلام مهين ما كان ليصدر عن وزير مسؤول داخل الحكومة ، ولكن أيضا لأنه يعطينا عربون تأكيد على أن حلم المغاربة في تحقيق الديمقراطية والعدالة صار أبعد مما نتصورجميعا ، يا ليتنا نعلم زيف هؤلاء ، ويا ليتنا نعلم زيف من يطبلون لهم آناء الليل وأطراف النهار.

0 تعليق على موضوع "ألم يأتكم نبأ الوزير الحكيم"


الإبتساماتإخفاء