مسيرة الرباط النسائية ووهم التغيير

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0

رشيد أخريبيش
أولا وقبل كل شيء لم أكن لأتطرق لموضوع حقوق المرأة لولا بعض الرسائل التي جاءتني على الفايسبوك، من بعض القراء الذين عاتبوني عن عدم تسليط الضوء على احتفال العالم بعيد المرأة الذي يصادف 8 مارس من كل عام ،وعن المسيرة المناهضة للسيد رئيس الحكومة الذي طالما يعلن الحرب على النساء ، بل واتهموني بأنني عدو للنساء ولنضالهن نحو تحقيق مطالبهن المشروعة .


نحن ليس لدينا أي مشكل مع المرأة ،ولسنا ضد مطالبها العادلة في مجال الحقوق، وبدورنا نتقدم بأحر التهاني والآماني إلى كل نساء العالم ، ونقف وفقة إجلال وإكبار لهن سواء في يومهن العالمي، أو في أيامهن العادية ، وذلك لأن دور المرأة في المجتمع وجهودها المتواصلة في بناء الجيل الصاعد يستوجب منا أن نتوقف ولو للحظة لنعيد الاعتبار لهذه المرأة التي هي نصف المجتمع بل لا نغامر إن قلنا بأنها هي المجتمع كله
جميل جدا أن نرى مجتمعا يقدر المرأة ، وجميل أيضا أن نجد مجتمعا يسعى إلى تمكين المرأة من حقوقها وإدماجها في كل القطاعات، ومناهضة كل أشكال العنف والتميييز ضدها، وهذا ما كنا ندافع عنه على الدوام، ولن نرضى أن نكون كحجرة تعثر أمام هذا الفكر التحرري الذي هو من قيمنا والذي تم تغييبه عبر الزمن ،من طرف الحكام الذين كانوا دائما يعارضون أي تحرك يدعو إلى الحرية والكرامة ، كل هذا جميل لكن مع ذلك كله هناك مجموعة من الأسئلة التي تطرح ،خاصة بعد تلك المسيرة النسائية التي صادفت اليوم العالمي للمرأة والتي كانت قد شاركت فيها عدة فعاليات نسائية، حملت مجموعة من الرسائل، أهمها المساواة والعدالة وعدم التمييز والمناصفة ، ومن هذه الأسئلة سؤال جوهري وربما محرج للبعض هل المغاربة أصلا يتمتعون بقسط من الحقوق لكي يتسنى للمرأة الدفاع عنها ؟ وهل هناك بالفعل ما يظهر أن الرجل في المغرب يتمتع بالحقوق عكس المرأة التي تعاني من التهميش والإقصاء ؟
إن المتتبع للشأن الحقوقي في المغرب من خلال الوقائع على الأرض سيجد أننا ما زلنا بعيدين كل البعد عن ثقافة حقوق الانسان، وترسيخ مبادئ الديمقراطية الحقة كما هو معمول به في كل البلدان الغربية التي قطعت أشواطا كبيرة في هذا الشأن ، فالمغرب يعاني أزمة في مجال الحقوق فالمغاربة رجالا ونساءً يعانون من التهميش ومن الإقصاء، وكل حديث على أن الرجل يتمتع بحقوق تعطيه أفضلية على المرأة في بلدنا الحبيب، فهو مجرد ذر الرماد في العيون ومحاولة إقناع المغاربة بأن بلدهم يعرف تقدما ملحوظا في مجال الحقوق فما عليهم سوى النضال من أجل تعزيز هذه الحقوق والحفاظ عليها ،وهذا هو الدور الذي تلعبه بعض الأحزاب التي دائما ما تستعمل المرأة كورقة لتحقيق أهدافها السياسية .
صحيح أن المرأة تعاني من الاضطهاد و التهميش واغتصاب حقوقها ، لكن هذا لا يعني أنها لوحدها في المستنقع، وان الآخر يعيش في جنة الفردوس ، فالمغاربة جميعا يعانون ما تعانيه المرأة المغربية ،والكل قد اكتوى بنار سياسات معوجة أهلكت الحرث والنسل وأعادت بالحقل الحقوقي إلى الوراء بعقود من الزمن ، فالنضال من زاوية أن هناك من المغاربة من يعيش في أعلى عليين وهناك من يعيش أسفل سافلين في مجال الحقوق مجرد تفكير خاطئ وتصديق لرواية من حاولوا استغلال المغاربة على الدوام، لأن الكل سواء في المحن والمآسي.
على المرأة المغربية التي يوهمونها بأنها تعيش الإقصاء والتهميش دون غيرها وانها يجب أن تناضل من أجل تحقيق المساواة، أن تعرف جيدا أن قضية المرأة أصبحت توظف بطريقة سلبية في كل المناسبات من طرف الاحزاب السياسية لكسب مزيد من الأصوات، ونحن قد لاحظنا تهافت زعماء الأحزاب السياسية في المغرب على تلك المسيرة، التي تم تنظيمها نصرة للمرأة وردا على كل التجاوزات في حقها، وهذا يعني أن هؤلاء الذين يوظفون قضايا المرأة لا يظفونها حبا في سواد عيون النساء اللواتي يعشن الإقصاء ، بل على العكس من ذلك فهم يستعملون قضية المرأة غاية لتحقيق أهدافهم وهذا معروف لا أحد يستطيع انكاره.
إذا كانت العديد من النساء قد جئن من مدن عدة لحضور تلك المسيرة، وللرد على كل من سولت له نفسه أن يمس بحقوق المرأة ،وإذا كانت أصواتهن قد تعالت وطالبت بالحرية وبالمساواة ، فإن هناك في المقابل نساء مغربيات لم يسمعن بهذا الإسم أبدا ، فكل ما في الأمر أن من يتحدثون باسم المرأة اليوم هم فئة قليلة متعلمة وصلت إلى مراتب عليا في العلم والسلطة وتطالب بمزيد من الحقوق أما النساء الغير المتعلمات واللواتي يعشن في الجبال والكهوف بلا أدنى كرامة، فهن بالتأكيد لا يعلمن بهذا اليوم العالمي ولا يعلمن بمثل هذه المسيرات بل هؤلاء النساء أملهن أن يجدن لقمة خبز تقيهن شرالجوع الذي يهددهن وما بالك بالمساواة التي صدع بها البعض رؤس العباد وبالمناصفة التي جعلوا منها شعارهم الخالد.
كان من الممكن لدعاة الحقوق والحرية في بلدنا الحبيب أن يرفعوا شعارات حقيقية ضد الظلم والقهر وأن يطالبوا بالديمقراطية التي هي أساس تقدم الأمم، وأن يناضلوا ضد الفساد والمفسدين الذين نجد أن هناك الآن في الحكومة من يدافع عنهم ، بل ويعطيهم الاشارة الخضراء لنهب ثروات المغاربة ، أما مثل هذه الشعارات التي ترفع زورا وبهتانا فهي فقط للضحك على ذقون المغربيات والدفع بهن إلى معانقة الأوهام .

0 تعليق على موضوع "مسيرة الرباط النسائية ووهم التغيير"


الإبتساماتإخفاء