دستور الأموات أعاد مصر إلى عهد ما قبل التاريخ

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0



رشيد أخريبيش
أبت سلطات الانقلاب في مصر إلا أن تستكمل آخر فصول الانقلاب الدموي على الثورة المصرية بإعلانها الاستفتاء على الدستور ، الذي صنع تحت رحمة العسكر ،والذي أبعد المواطن المصري عن المشهد تماما عبر حملات القتل الجماعية وعبر السجون وإقصاء الرأي الآخر حيث أدخلت مصر بذلك في غياهب الديكتاتورية البغيضة وما مهزلة ما حدث في أول أيام التصويت على الدستور إلا خير دليل على ذلك


الدستور الجديد أو ثمرة الانقلاب كما يسميه البعض نتائجه محسومة سلفا، خاصة وأن سلطات الانقلاب استبعدت غالبية الشعب، وأعلنت الحرب على المعارضين ،ومنعت لجان مراقبة الاستفتاء من الدخول إلى مصر خوفا من رصد تلك الخروقات التي ربما ستفسد على السيسي عرس الترشح إلى منصب الرئيس الذي يمهد له بدستور الأموات هذا
مخطئ من يعتقد أن هذا الدستور الذي أعده العسكر في جنح الظلام، سيتم العمل به حتى لو جاءت نتائجه 100 في المائة لأن المشهد على الأرض يوحي وبدلالة واسعة أن لا استقرار سيقع في مصر، ما دام أن السلطات المصرية ذاهبة في اتجاه اجتثاث كل من يقف في طريق الانقلاب ، فالأزمة المصرية لن تجد طريقها إلى الحل بمثل هذا الدستور الذي جاء بعد الانقلاب حيث لا حرية هناك مع العسكر ،فلا يكفي إقناع المصريين والعالم بأسره بأن الشعب المصري في طريقه لبناء الديمقراطية ،فكيف تكون مصر ديمقراطية ومن يحكمها جاء عبر انقلاب عسكري دموي أجهض حلم الشعب الذي كان يحلم بالتغيير ، وكيف تكون ديمقراطية ودستورها أعد من طرف لجنة غير منتخبة اختارها العسكر ،لتنفيذ مهمتها على أحسن وجه؟ ثم كيف تعطي مصر مثالا يحتدى به في الديمقراطية كما يقول السيسي والسجون مليئة بالمعارضين ولسان حالها يقول هل من معارض ؟
بالاستفتاء على دستور ما بعد الانقلاب، تكون مصر قد دخلت في نفق مظلم يطبعه الاستبداد والظلم خاصة وأن هناك تلميحات من قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بأن تمرير الدستور سيعتبر إلزاميا مايعني أن البلاد تسير نحو الهاوية ، أما الأجواء التي مر فيها الاستفتاء على الدستور فقد طبعها التزوير وتصويت الأطفال وإرغام الناس على التصويت بنعم على الدستور، في خطوة خطيرة تظهر وبالملموس أن مصر المدنية في عهد مرسي قد تحولت إلى دولة ديكتاتورية متسلطة في عهد الفرعون عبد الفتاح السيسي
سلطات الانقلاب التي أرغمت الشعب على التصويت بنعم على الدستور قد أعدت العدة لإنجاح هذه المسرحية حيث وجهت ألة القتل والقمع إلى صدور الشرفاء من أبناء مصر، من الذين وقفوا ضد هذه المسرحية والذين خرجوا في مظاهرات تندد بذلك حيث على مدار ثلاثة أسابيع قامت الشرطة بقتل 27 شخصا واعتقال ما يزيد عن ألفي شخص ،أما صوت الصحافة فلا مكان له في مملكة العسكر هذه
لا شك أن الغرض من هذا الدستور ليس استكمال ثورة 25 من يناير كما يحاول قادة الانقلاب في مصر ترويجه، وإنما جاء في سياق استعدادات الرجل الأقوى في مصر والذي لا خطوة يمكن الإقدام عليها إلا باستشارته لخلع البدلة العسكرية واستبدالها بأخرى مدنية ، بل والذهاب في ذلك إلى أبعد حدود، حيث سيضع النهاية للديمقراطية التي كان يتطلع إليها الشعب المصري بعد سقوط حسني مبارك
الدستور الجديد جاء لاستكمال مسار الانقلاب الدموي الذي أدى ثمنه الشعب المصري والذي بدأه عبد الفتاح السيسي عندما انقلب على الشرعية ، وعندما أدخل الجيش في لعبته القذرة التي دعا من خلالها الشعب التفويض له لقتل كل من سولت له نفسه أن يعارض مشروع الانقلاب
الدستور سيتم التصويت عليه بالأغلبية المطلقة ،والشعب المصري سيتم تقديمه إلى العالم على أنه سعيد بهذه الخطوة المهمة ، بل وسيهتف بحياة عبد الفتاح السيسي كرها كما هتف به مع بداية الانقلاب، وهذا معروف وأمر قد حسم فيه قبل الإعداد لهذه المؤامرة كل هذا معروف لكن ما هو غير معروف الآن هو مرحلة ما بعد الاستفتاء على الدستور هل سيستطيع السيسي إعادة الاستقرار إلى مصر بعد كل تلك الدماء التي أريقت على يده ، وهل سيستطيع أن يبعث الثقة في قلوب المصريين وهو من أعلن عليهم الحرب بلا هوادة ؟
فمن خلال الوقائع على الأرض يمكن القول أن الوضع في مصر لا يبشر بالخير حتى لو تم تمرير الدستور المصري، وحتى لوأعلن عن السيسي رئيسا للبلاد ، وحتى لو تمكن من إحكام قبضته على ملك مصر وشعبها ، فالوضع الاقتصادي ينذر بأزمة ستحل بمصر في قريب الآجال بالرغم من المساعدات والمنح التي سارعت دول الخليج صاحبة القاع والباع في إسقاط الحكم المدني وتنصيب السيسي ، بالإضافة إلى الوضع الأمني الذي يزداد سوءا بسبب المقاربة القمعية التي تبناها عبد الفتاح السيسي تجاه معارضيه
مصر بمثل هذه الاستفتاءات المحسومة سلفا والمدعومة من طرف الإعلام المتملق تكون قد دشنت بلا شك مرحلة مهمة في تاريخها ألا وهي مرحلة الرجوع إلى الديكتاتورية وإعلان البراءة من اليمقراطية التي طالما بحثت عنها

0 تعليق على موضوع "دستور الأموات أعاد مصر إلى عهد ما قبل التاريخ"


الإبتساماتإخفاء