لو كانت دماء السوريين نفطا لتدخل الغرب

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0


رشيد أخريبيش
كثير من الأسئلة يتم طرحها الآن بعد أن غرق الشعب السوري في الدماء، وبعد أن دمر وطنه بالكامل خاصة بعد أن تطور الوضع إلى ما هو أسوأ مع السلاح الكيماوي الذي استعمله النظام ضد الشعب أخيرا، من قبيل لماذا لم يتدخل الغرب لإسقاط النظام في سورية بالرغم من أن الآلاف قد قتلوا وأحرق بلدهم بالكامل ؟لماذا لم يعجل الغرب بالتدخل في سورية كما فعل في العراق وليبيا ؟

يبدو أن شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان  الذي حمله الغرب في الدول العربية والإسلامية غاية في تحقيق مصالحه قد تم فضحه الآن بعد أن تبين أنه مجرد مسرحيات يستعملها الغرب كلما فكر في الاستيلاء على خيرات البلدان العربية والإسلامية ، أما إذا تعلق الأمر ببلدان لا تملك النفط ولا تملك ثروات يمكن أن تستهوي حكام الغرب وواشنطن فلا حديث عن التدخل ، ولا حديث عن تلك الشعارات الرنانة التي طالما رفعها هذا الغرب المنافق.
حين كانت عيون الغرب على العراق ونفطه سخر إعلامه بالكامل لشيطنة الرئيس صدام حسين ، وأخذ بكل المبررات لدعم أطروحة أسلحة الدمار الشامل ، التي دافع عنها الغرب واستطاع أن يكسب أصوات غالبية الدول العربية التي ذهبت في نفس الطرح الذي فتح الطريق أمام هؤلاء لغزو العراق ، أما عندما انطلقت موجة رياح التغيير الديمقراطي في بعض الدول العربية وفي دول المغرب الكبير، فصار الغرب يميز بين تلك الثورات فتارة يسارع إلى دعم الثورة وإسقاط النظام كما فعل في ليبيا عندما تدخل وأعلن الحظر الجوي وأفسح المجال للثوار من التقدم وإنجاح ثورتهم ضد القذافي ، وتارة يتغاضى الطرف عن ثورات دون أن تكون له كلمة الفصل، كما هو الشأن مع الثورة السورية التي هي الآن في مفترق الطرق بعد أن استباح النظام السوري دماء السوريين ممن خرجوا إلى الشارع والرافضين لحكم بشار الأسد الذي عاث في بلاد السوريين فسادا.
الديمقراطية التي جاء بها الغرب من خلال الوقائع والأحداث، تقتصر فقط على الدول التي يمكن أن تحقق مصالح الغرب وأمريكا فالنفط هو الوحيد الذي يمكن أن يحرك مشاعر هذا الغرب للتضامن مع ثورات العالم العربي والإسلامي ، فعندما يحس هذا الغرب أن النفط مهدد فهو يسارع بالتدخل نحو إنقاذه أما إذا تعلق الأمر بدماء الأبرياء التي تراق فعندئذ تسمع عن مصطلحات المناشدة والتشاور والدعوة إلى ضبط النفس إلى ما هنالك من المسميات التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، والتي أساسها الاستخفاف بالشعوب وإعطاء مزيدا من الفرص للأنظمة للانتقام من شعوبها كل ذلك خدمة لإسرائيل وأمنها الذي يسعى الغرب للحفاظ عليه .
إذا كان المجتمع الدولي قد تدخل في ليبيا بدعوى أن النظام ديكتاتوري ارتكب مجازرا في حق أبناء الوطن، فإن النظام السوري في المقابل لا يقل دموية عن نظام القذافي ، وأن مجازر بشار الأسد لا تقل بشاعة عن الجرائم التي ارتكبها الزعيم الليبي ضد شعبه، فلماذا لم يتدخل هذا الغرب إذا كان أهم ما يحركه هو الديمقراطية وحقوق الإنسان ؟
الوضع السوري خطير للغاية والتطوارات على الساحة السورية تنذر بكارثة إنسانية في البلد، فالآلاف من الشعب السوري قد قتلوا بدم بارد ، والنظام مستعد الآن أكثر من أي وقت مضى لإحراق البلد بأكمله من أجل أن يبقى حاكما لسورية ، فالمدن خربت عن بكرة أبيها والشعب يذبح مباشرة على الفضائيات وقمع الحريات يزداد يوما بعد يوم ،وقصف بالكيماوي  أعاد بالذاكرة إلى الوراء لتتذكر مجازر صدام ضد الأكراد في العراق ،ألا يكفي كل هذا ليحرك ضمير هذا الغرب الذي طالما يدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان للتدخل وإنهاء معاناة الشعب الذي ضاقت به الدنيا بما رحبت ؟
الديمقراطية التي حاول الغرب أن يتشدق بها على مر عقود من الزمن في أوطاننا العربية والإسلامية قد ظهرت على حقيقتها وتبين من خلالها أن ما يسميه هذا الغرب وخاصة أمريكا بالديمقراطية يجب أن يصب في مصلحته ، وأن التدخل لمساعدة الشعوب في ثوراتهم يجب أن يقترن بمقابل يعود على الغرب بتحقيق أهدافه ، أما الحديث عن الغرب على أنه الوحيد الذي يمكن أن ينعم على الشعوب العربية والإسلامية بالديمقراطية وحقوق الإنسان فهذا أمر متجاوز ولم يعد أحد يثق به إلا من أراد أن يطبل للمشروع الغربي الذي يحاول إنهاك الدول العربية والإسلامية بالحروب وزرع الفتنة الطائفية والاقتتال الداخلي الذي سقطت فيه الدول وهي الآن تجني ثماره بدون منازع.
واهم من يعتقد أن التدخل الغربي في سورية قد حان ، وواهم أيضا من ينتظر أن يعاد السيناريو اليوغوسلافي في سورية ، أو السيناريو الليبي أو العراقي  لأن الوضع يختلف كل الاختلاف عما وقع في كل من ليبيا ويوغوسلافيا  والعراق، فالغرب لن يدخل في حرب ضد النظام السوري لاعتقاده أن سورية لا تملك ثروات النفط ثم إن التدخل لن يخدم مصلحة الدولة الإسرائيلية، وفي حالة ما إذا وقع فإن استقرارها سيتزعزع بالإضافة إلى أن الغرب لا يريد أن يدخل في مغامرة تغيير النظام، خشية أن تصبح سورية تحت قبضة حكومة إسلامية وفي ذلك خطر على إسرائيل وأمنها .
من مصلحة الغرب الآن أن يبقى الوضع كما هو عليه في سورية ، ومن مصلحته أيضا أن يستغل الثورة لصالحه خاصة فيما يتعلق بتصفية الحسابات مع النظام مقابل بقائه ، أما الحديث عن عقوبات دولية على النظام السوري فما هي إلا مبررات واهية للضغط على النظام بقبول بعض الإملاءات التي يمكن أن تكون صمام أمان لإسرائيل وللغرب بشكل عام.
من المخجل جدا بعد كل هذا أن نراهن على الغرب الذي يحمل شعارات الديمقراطية المزيفة ، ومن العيب جدا أن ننتظر الفرج منه في سورية ، فمهما أريقت الدماء ومهما استعمل النظام من وحشية في قتل الشعب ، ومهما استعمل من أسلحة فتاكة فإن ذلك لن يحرك مشاعر دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان، الذين يتحركون فقط عندما تكون مصالحهم مهددة والتاريخ أثبت ذلك وبجلاء وما المراهنة على الخدع الغربية إلا مضيعة للوقت هكذا نعتقد .

0 تعليق على موضوع " لو كانت دماء السوريين نفطا لتدخل الغرب"


الإبتساماتإخفاء