كن عربيا ولو في الصين

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0


رشيد أخريبيش
المغرب العربي، القومية العربية، جامعة الدول العربية، البرلمانات العربية كلها مصطلحات اخترعها العرب ممن لديهم غيرة على لغتهم وثقافتهم، وهذا جميل ومبادرة منطقية لا أحد يحاسبهم على ذلك ماداموا يملكون حسن نية في استعمالها ، لكن أن يتحول هذا الشعور بالانتماء إلى فرض هذه المصطلحات على بلدان غير عربية لها ثقافتها الخاصة ،وحضارتها التي تميزها عن غيرها ، فهذا ما
يثير مجموعة من التساؤلات حول مدى براءة هؤلاء الذين يستخدمون مثل هذه المصطلحات، لماذا يحاول البعض من هؤلاء العرب الدفاع عن هذه المصطلحات في بلد تتنوع فيه اللغات والثقافات خاصة شمال إفريقيا التي أصبح اسمها "المغرب العربي " حيث بقدر ما يحيل هذا المصطلح على خلفية عرقية بقدر ما يثار بشأنه التساؤل حول مدى انسجام هذه التسمية مع مرحلة ماسمي بالانتقال الديمقراطي الذي عرفته الشعوب في دول المغرب الكبير.
أن تتحدث عن "المغرب العربي" فأنت بذلك تعلي راية العرب وتعيد للقومية العربية قيمتها وبالتالي بطل تستحق كل التشجيع والاحترام ، أما أن ترفض هذا المصطلح فأنت في نظرهم عميل لإسرائيل وأمريكا ، عنصري متعصب  تثير الفتن ، بل هناك من هؤلاء من يكفر ويستبيح دماء المسلمين الذين يرفضون أن يكونوا عربا افتراضيين بدعوى أنهم ضد الدين والأمثلة كثيرة في العالم الإسلامي قد لا يسمح الوقت بذكرها .
كن عربيا حتى لو كنت في الصين، حتى لوكنت تتحدث بلغة غير عربية ، بهذا المنطق الإقصائي الذي يحمل في طياته عنصرية ما بعدها عنصرية يزداد حجم الإقصاء الممنهج الذي مازالت الحكومات المغاربية تمارسه بشكل كبير  ، سواء في مراكز القرار التي تطلق على منطقة شمال إفريقيا مصطلح المغرب العربي وانتماءها إلى حظيرة الدول العربية ، ثم من طرف وسائل الإعلام التي رغم ادعائها الانفتاح والديمقراطية مازالت تستخدم هذا المصطلح بالرغم من أنه يتنافى مع الدستور ومع قوانين حقوق الإنسان .
 لا شك أن مصطلح المغرب العربي هو مصطلح حديث النشأة ظهر مع الحركة القومية العربية في المشرق ، ثم أن ظهوره أيضا جاء مع الحركة الوطنية في المغرب التي كانت متحمسة للارتماء في أحضان العرب خوفا من الخطر الأمازيغي الذي اعتقدت أنه سيستحوذ على الرأسمال السياسي ، بعد أن انكشفت رواية الظهير البربري الذي تم استغلاله لتقوية مركزهم السياسي ، حيث ذهبت إلى اعتناق مصطلح المغرب العربي لإقصاء المقاومة الأمازيغية المسلحة من التفاوض مع المستعمر لنيل حصتهم من السلطة التي لم تكن الشغل الشاغل لهؤلاء الأمازيغ في تلك الفترة عكس رموز الحركة الوطنية التي كانت تبحث فقط عما يمكنها من السيطرة على دوال الحكم آنذاك .
مصطلح "المغرب العربي" في الواقع لا يستند إلى أي أساس عندما يطلق على الدول المغاربية ، بل هو امتداد لسياسة التعريب التي دأبت عليها الأنظمة العربية والتي تسعى من خلالها إلى إخضاع المناطق الأمازيغية التي لها حضارتها الخاصة ، إلى الشرق العربي وربط الإسلام باللغة العربية التي بدونها لن تكتمل شروطه، دون أن يتصور إمكانية وجود شعوبا مسلمة دون أن يكون لسانها عربيا وهذا مكمن الخلل.
بلا شك أن مصطلح المغربي العربي الذي صنعته الأنظمة ممن تدين بالولاء للشرق العربي تريد من خلاله تمييز المغرب العربي عن المغرب الأمازيغي الذي هو شمال افريقيا أو منطقة تامزغا ، لكن هؤلاء الذين لا يتوانون في استعمال هذا المصطلح ينفون نفيا قاطعا أن يكون هناك مغرب غير المغرب العربي.
مصطلح المغرب العربي الذي يسعى إلى إنكار وجود مغرب أمازيغي في شمال إفريقيا يحيلنا على طرح سؤال جوهري إذا كان هناك مغرب عربي دون مغرب آخر كما يدعي هؤلاء فلماذا ألحق  وصف عربي باسم  المغرب ؟
إن هذا المصطلح العنصري الذي طالما استخدمته الأنظمة على مر عقود من الزمن لم يستطع أن يغيرمن الحقيقة الراسخة والتي يثبتها التاريخ من جهة  وتثبتها الهوية من جهة ثانية ، حيث لا مجال للاستمرار في استعمال ذلك المصطلح الذي يحاول إقصاء الآخر ، فإذا كان هؤلاء يطلقون على المغرب إسم المغرب العربي فهذا اعتراف بأن هناك مغرب أمازيغي وشعب في منطقة شمال إفريقيا له لغته وحضارته وثقافته الخاصة بالرغم من إنكارهم ذلك .
لم يعد يكفي هؤلاء أنهم استخدموا على مر عقود مصطلح "المغرب العربي" ظلما وعدوانا من أجل القضاء على كل ما هو أمازيغي عبر مناهجهم التعليمية التي تروج لخرافة  العروبة والتي دائما ما يحاولون من خلالها الحديث عن الشعب الأمازيغي وعن أصوله وكأنه الأقلية التي جاءت إلى شمال افريقيا واستوطنت بها وليس العكس ، حيث شرعت في صنع الإجابة عن سؤال من هو الشعب الأمازيغي انطلاقا من المقاس الذي يتناسب ومصالحها ، فالبعض ينسبهم إلى اليمن والبعض إلى فلسطين والبعض الآخر إلى الترك أو الجرمان وهكذا في إطار حملتهم الممنهجة التي تسعى إلى  طمس الهوية الأمازيغية التي تفننوا في تشويه صورتها إلى حدود الآن.
لا نعتقد أن هؤلاء الذين استخدموا كل هذه المصطلحات التي تحمل في طياتها عنصرية ظاهرية غاية في أنفسهم للانتقام من الشعب الأمازيغي في منطقة شمال إفريقيا ، سيقبلون مثلا أن نسمي دول المغرب الكبير بالمغرب الأمازيغي باعتبار أنه وطن أصلي للأمازيغ ، فالواقع أثبت حقيقة هؤلاء الذين يحملون شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان ، وكشف مكر هؤلاء الذين أرادوا تعريب العالم بأكمله ،والسيطرة عليه وإخفاء معالم الشعوب الأخرى مستغلين بذلك الدين الإسلامي الحنيف الذي جاء رحمة للعالمين ، وهدى للناس أجمعين ، حيث تم ربطه باللغة العربية التي بدونها لن يكون له وجود .

 




0 تعليق على موضوع "كن عربيا ولو في الصين"


الإبتساماتإخفاء