أمريكا إلى مثواها الأخير

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0

رشيد أخريبيش

بعد طول انتظار وبعد مدة من تتبع السياسة الأمريكية تجاه العالم العربي والإسلامي وتجاه العالم بأسره يحق لنا القول أن الولايات المتحدة الأمريكية تعيش الآن صدمة سلسلة من الهزائم  والفشل
فيما يخص سياساتها بدءا من العراق الذي دمرته بحجة أسلحة الدمار الشامل ، ومرورا بأفغانستان الذي بررت احتلاله بحجة ما سمي بالخطر الإرهابي الذي كانت هي من صنعته أيام عهد الاستعمار السوفيتي لينقلب السحر على الساحر وتسقط الولايات المتحدة في وحل مقاومة حركة طالبان التي بدا من الواضح أنها المنتصر بعد حرب استنزفت الخزينة الأمريكية
بعد مرور عشر سنوات على احتلال العراق ، وبعد خروج أخر جندي  لها من بلاد الرافدين ، لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية أن تحقق ما كانت تصبو إليه  أو على الأقل لم تستطع أن تحقق ولو قليلا من متمنياتها في العراق الذي كانت تعتقد أنه بعد الغزو وبعد التدخل العسكري سيبقى مستعمرة أبدية لها وبوابة تمارس من خلالها مخططاتها التوسعية لتأتي النهاية على غير ما كانت تطمح إليه ليبقى العراق الآن في يد المارد الإيراني الذي يعبث بالعراق وأهله عبر خلق حكومة طائفية يقودها رجل طائفي لا يخفي ولاءه لإيران ومستعد للتضحية من أجلها ولو كان ذلك على حساب الشعب العراقي وهذا هو الواقع وإن كان يقلق الإدارة الأمريكية التي تبخرت أحلامها وتكسرت على صخرة صماء .
فالمتتبع للفشل الأمريكي في العراق بلا شك سيلاحظ وبجلاء فشلا آخر سيضاف إلى التاريخ الأمريكي الذي تطبعه الهزائم ، ألا وهو حرب أمريكا على الدولة الأفغانية والتي أنهكت القدرة العسكرية للاحتلال الأمريكي ، مما أدى بها للعودة إلى التفكير في الجلوس والحوار مع حركة طالبان التي بدأت بعد عجزها عن تنفيذ أجنداتها لإزالتها من قائمة الحركات الإرهابية في إشارة واضحة إلى سعيها للوصول إلى حل نهائي للنزاع وللحرب التي ستخرج منها أمريكا منهزمة دون أن تحقق أهدافها المعلنة .
أمريكا حاولت بعد أحداث 11 من سبتمبر أيلول 2001 أن تكون الدولة الأقوى في العالم وأن تجعل من هذه الأحداث مبررا كافيا لفرض سيطرتها على العالم ، لكن ذلك كبدها خسائر هامة لا من حيث عدد التريليونات التي أنفقت ، ولا من حيث عدد الأشخاص الذين ذهبوا ضحية ما كانت تعتبره الولايات المتحدة مؤامرة إرهابية من الواجب التصدي لها مما أدى بالاقتصاد الوطني إلى السقوط في الهاوية حيث تعاني الآن أزمة اقتصادية خانقة لا زال الشعب الأمريكي يعاني من ويلاته إلى حدود الآن.
لم يكن فشل الولايات المتحدة الأمريكية في العراق يقتصر فقط على أفغانستان والعراق من خلال فرض القوة العسكرية واحتلال البلدين ، ولكن الفشل رافقها إلى سياسة الترهيب التي كان الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن قد اعتمدها تجاه إيران والتي استكمل فصولها الرئيس أوباما تجاه البرنامج النووي الإيراني ، فلا الترهيب استطاع أن يمنع إيران من استكمال برنامجها النووي ولا سياسة الحوار المتشدد للإدارة الأمريكية قد ردعت إيران للتراجع خطوة إلى الوراء وهذا في حد ذاته فشل ذريع لأمريكا ولمخططاتها التي كانت تنوي تنفيذها في المنطقة .
أما الهزيمة الأخرى التي ربما ستكون قد أرهقت كاهل الولايات المتحدة الأمريكية والتي حتمت عليها العودة إلى مراجعة أوراقها وحساباتها فهي أمريكا الشمالية التي هي الآن تعلن بشكل صريح أنها بصدد الاستعداد لتوجيه ضربة إلى القواعد الأمريكية في كوريا الجنوبية بعد رزم من العقوبات الاقتصادية التي فرضها عليها الغرب والولايات المتحدة الأمريكية مما يعني أنها كسرت حاجز الصمت وجدار القوة التي طالما تباهت بها أمريكا معتقدة أنها هي من ستقود العالم لتجد نفسها أمام تمرد من دول قد تصنع المفاجئات في المستقبل القريب .
الوضع في سوريا الآن يسجل هو الآخر فشلا  ذريعا للإدارة الأمريكية فيما يخص تسريعها نحو الإطاحة بنظام الأسد ودعم المعارضة للسيطرة على سوريا ، حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية مع انطلاق الثورة السورية مستعدة لدعم الثوار للقضاء على نظام الأسد لكن بعد أن تبين أن عمر هذا الأخير لا زال طويلا وأن إمكانية القضاء عليه هو من المستحيلات عادت أمريكا وتراجعت عن دعم هؤلاء الثوار بحجة الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تسعى إلى السيطرة على سوريا ، وحاولت شيطنة الثوار عند الدول الداعمة لهم مما يعني أنها فشلت في مخططها المتعلق بالقضاء على النفوذ الإيراني في المنطقة من خلال البوابة السورية .
حتى الربيع الديمقراطي الذي حل ضيفا على العديد من الدول العربية وبعض دول المغرب الكبير جاء على عكس ما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتمناه ، فهذه الأخيرة كانت تتمنى أن تأتيها رياح التغيير بحكومات موالية لها تخدم أجنداتها الخفية وتكون الشرطي الذي يحمي طفلها المذلل إسرائيل لكن الواقع أن كل هذه التحليلات وهذه المخططات الجهنمية التي كانت تعدها الإدارة الأمريكية لم تذهب في الاتجاه الصحيح واصطدمت بواقع ربما بدأت الشعوب العربية والإسلامية تستعيد فيه قوتها وهيبتها.
يبدو بعد كل هذا أن رسول الحرية وحقوق الإنسان و الذي جاء لإحلال الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي قد أخفق في رسالته هذه خاصة بعد عهد التمرد الذي جاء بغير رجعة والذي أفقد الولايات المتحدة توازنها في ما يخص نواياها التوسعية في المنطقة ، حيث أصبح من الممكن لأي دولة الآن أو حركة تعاديها أن تعلن التحدي والتمرد عليها مستفيدة بذلك من الدعم الشعبي الذي يحظى به كل من يعادي هذه الإمبراطورية التي لم يبق لها سوى أيام لتنتقل إلى مثواها الأخير.
   

0 تعليق على موضوع "أمريكا إلى مثواها الأخير"


الإبتساماتإخفاء