علماء الشرطة هكذا ؟

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0
رشيد أخريبيش
بعد غياب شبه كلي  للعلماء والدعاة  الربانيين وبعد مسلسل من طرف الحكام لإسكاتهم عن قول الحق، نجد الآن الساحة مفتوحة على مصراعيها لعلماء السلطة الذين أبوا إلا أن يكونوا أبواقا للنظام وشيوخا يستغلون الدين من أجل التطبيل للحكام ،بل هؤلاء يذهبون إلى أبعد من التطبيل والتزمير حيث يجعلون من كتاب الله السبيل الوحيد لضمان استمرارية هذه الأنظمة الديكتاتورية التي ضاقت بها الأرض بما رحبت وأصبحت تئن من شدة الخناق الذي ضاق عليها بعد ثورات الربيع الديمقراطي التي أطاحت بالعديد من الأنظمة في العالم العربي ودول المغرب الكبير.
لم يكن كلام إمام وخطيب المسجد الحرام صالح بن حميد الذي قال إنه من الضرورة علينا الالتزام بالطاعة والسمع لولاة الأمور مهما كانت الظروف سوى صورة مصغرة على واقعنا الإسلامي الذي يعج بأمثال هؤلاء الدعاة الذين يجدون المنابر وسيلة لتبرير تسلط الحكام والدفاع عن حقهم في البقاء مهما صدر عنهم من جرائم في حق الشعوب .
منابرنا تحولت من مكان يذكر فيها اسم الله إلى مكان يذكر فيه اسم الحاكم والسلطان وفرصة للدعاء له ومباركة أعماله ولو كانت مخالفة للشرع ،بل الشرع ليست له أهمية تذكر أمام هدف الحاكم المتمثل في محاولته البحث عن الشرعية الدينية التي أصبحت الأنظمة تحسب لها ألف حساب للتحكم في الشعوب والبقاء في السلطة إلى أجل غير مسمى.
 في مصر قبل ثورة 25 من يناير كان هؤلاء الشيوخ والأئمة يهتفون بروح الديكتاتور ويحرمون شرعا الخروج عليه حتى وإن كان ما يقوم به في حق الشعوب يخالف شرع الله ،الآن وبعد أن سقط هؤلاء الحكام تغيرت مواقف أغلب هؤلاء من الثورة، حيث تجدهم الآن يتحدثون عن جواز الخروج عن الحاكم حيث عدلوا عن مواقفهم التي كانت تدعو الشعوب إلى الالتزام بطاعة ما كانوا يسمونه بولي الأمر الذي وجب السمع له حتى وإن كان سفاحا يهدردماء الشعوب بدون وجه حق ،إذن كيف يمكن لنا فهم هؤلاء الشيوخ والأئمة والدعاة إذا كان هؤلاء لا يملكون رأيا موحدا وموقفا يجعل منهم علماء حق لا يخشون لومة لائم وليس علماء القصور الذين يسبحون باسم الحاكم صباح مساء ، بل يحرمون ما أحل الله ويحلون ما حرمه، كل ذلك ابتغاء مرضاة الحاكم الذي ينتظرون منه أن يمن عليهم ببعض الدراهم وبعض الأوسمة مقابل استعمالهم في الدعاية للحاكم ولإمارته والدعاء له بالتوفيق والسداد في استكمال مخططه للاستيلاء على الحكم .
علماء السلطة هؤلاء أو علماء الشرطة كما نفضل تسميتهم يعيشون ما يمكن أن نسميه بازدواجية المواقف ، فهؤلاء ضد الثورات قبل انطلاقها بل يعتبرونها لا تجوز شرعا لأنها في نظرهم منبع الفتنة ،لكن ما إن تنطلق هذه الثورات حتى تجدهم يهتفون بالثورة ويتراجعون عن أفكارهم وينقلبون رأسا على عقب، هذا حال من عاش الثورات أما علماء الدول التي لم تصل إليها رياح الثورات بعد فإنهم لا زالوا في حكم من يدافع عن الضلال انطلاقا من ديننا الحنيف الذي يقدمونه للناس بما يضمن استمرارية الحاكم في فرض سلطته المطلقة فمرة يحاولون شرعنة بقاءه في السلطة بفتاوى لم يأت بها النقل ولا يقبلها العقل ومرة أخرى يستخدمون أيات تدعو إلى الطاعة وعدم الخروج ،فلا تخلوا مساجدنا من دعاة يعتلون المنابر خدمة لأجندة الحكام فقط لذلك تجد خطب الجمعة تدور حول تبجيل الحاكم وأولاده وزبانيته كل ذلك من أجل كسب قلوب الملايين التي باتت على وشك الانفجار .
أن تطالب بالثورة الآن أو أن تطالب فقط بالإصلاح فأنت غوغائي مثير للفتن ستواجه غضبا ما بعده غضب، بدءا من رجال الدين الذين يحاولون إمطارك بجملة من النصائح والمواعظ التي تحثك على التزام الطاعة وعدم الخروج بل تحرم حتى التفكير في الخروج عن هذه الأنظمة وعن هؤلاء الطغاة الذين جثموا على صدورنا لعقود بل يتمنون ألا يذهب بهم الموت أملا في التلذذ بمعاناة الشعوب.
إذا كانت الأنظمة في العالم العربي والإسلامي قد استغلت الدين على مر السنين وجعلت من العلماء والشيوخ والأئمة والدعاة أبواقا يتحدثون بإسمها، فإن ذلك لم يعد مجديا بعد ثورات الربيع الديمقراطي وبعد الحراكات الشعبية التي انتقلت بالشعوب من غياهب العبودية والاستغلال من طرف الحكام إلى عهود الحرية والديمقراطية ،فهؤلاء العلماء الذين كنا نكن لهم كل الاحترام والتقدير والذين طالما اعتبرناهم أهل الحق ،انحرفوا للأسف عن  دورهم المتمثل في قيادة الناس إلى الطريق الصحيح وإضاءة لهم الطريق إلى ما فيه صلاحهم ،فاتبعوا الحاكم وباعوا دينهم بعرض من الدنيا وأصبحوا بيادقا في يد الأنظمة تحركهم كلما دعت الضرورة حفاظا على عروشهم التي بنى معها هؤلاء علاقة لا تنتهي إلا بالموت أو بإسقاطهم من طرف الشعوب وإدخالهم إلى مزبلة التاريخ والأمثلة على ذلك كثيرة في أوطاننا العربية والإسلامية.




0 تعليق على موضوع "علماء الشرطة هكذا ؟"


الإبتساماتإخفاء