الديكتاتور المحبوب

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0
رشيد أخريبيش
رحل شافيز ورحلت معه أمال شعبه الذي كان ينظر إليه بمثابة الزعيم المثالي، الذي لقبه بمحبوب الفقراء لدعمه لهم ولتواضعه الذي ما فتئ يبديه لهم ،حيث جعلت منه بعد وفاته رمزا وقائدا يضرب به المثل خاصة في تشبثه بمواقفه المعارضة للهيمنة الغربية وخاصة الأمريكية التي دأب على معارضتها سواء في دول أمريكا اللاتينية أو في الدول العربية التي عرفت في مطلع سنة 2010 ثورات الربيع الديمقراطي التي وقف ضدها شافيز واعتبرها هجمة أمريكية للإطاحة بالأنظمة في الدول العربية وفي دول المغرب الكبير .

إذا كانت الشعوب العربية والإسلامية تصور شافيز على أنه ديكتاتور كان دائما في كفة الأنظمة الديكتاتورية إلا أن الرجل  قد قدم للشعب الفنزويلي نموذجا يحتدى به وصورة للزعيم ذو الشخصية الكارزمية الذي عرف عن مشاكسته للولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تعمل منذ أحداث سبتمبر على التدخل في شؤون الدول والسيطرة على العالم العربي والإسلامي.
حتى وإن اختلفنا مع الرجل فيما يخص دعمه للأنظمة الشمولية في العالم الإسلامي إلا أننا لا بد أن نقول كلمة حق في هذا الشخص الذي كانت له مواقف شجاعة كان من الأولى لحكامنا اتخاذها بدل من هذا الأخير،صراحة لا يمكننا أن نتجاهل بعض المواقف التي كان الزعيم الراحل قد اتخذها فيما يخص الشعوب العربية والإسلامية، وخاصة تجاه الشعب الفلسطيني خاصة عندما قرر قطع العلاقات الديبلوماسية  مع إسرائيل بعد العدوان الغاشم على غزة سنة 2009 وكان هذا القرار بمثابة الصفعة التي وجهها شافيز إلى حكام العرب الذين لا يستطيعون أن يخطوا خطوة إلا باستشارة من أمريكا والغرب وما بالك الإقدام على هذه الخطوة التي اعتبرت أنذاك خطوة شجاعة حضيت بنوع من القبول من طرف الشعوب وجعلت من الزعيم الفنزويلي بطلا يتحدث بلسان الشعوب العربية التي تخاذلت أنظمتها وباعت أوطانها وقدمت قضاياها لأمريكا والغرب على طبق من ذهب .
لا أعتقد أننا سنجد في أوطاننا العربية وفي دول المغرب الكبير زعيما شبيها للزعيم الراحل هوجو شافيز ،ولا نعتقد أن واحدا من هؤلاء الزعماء يستطيع أن يعصي للغرب أمرا كيف لا هو من قال قولته الشهيرة التي أسقطت على حكامنا الهوان والذل عندما قال بالحرف الواحد " ينبغي تقديم الرئيس الإسرائيلي للمحكمة الدولية ومعه الرئيس الأمريكي ،لو كان لهذا العالم ضمير حي"  وكان هذا الكلام  قد قاله شافيز  عندما كان العدوان متواصلا على غزة و عندما كان حكام العرب يتفرجون على أبناء فلسطين ودماءهم تسيل ليس لشيء سوى أنهم في أرضهم يقاومون الاحتلال ويرفضون الاستسلام للعدو المغتصب .
منذ عقود من الديكتاتورية والتسلط وبعد تاريخ كان قد طبعه التوريث و حكم الفرد الواحد لم نر من زعيم عربي واحد أن اتخذ موقفا مشرفا تجاه قضايا شعبه، بل على العكس من ذلك فهؤلاء كانوا ولا زالوا يتسابقون نحو تقديم الولاء والطاعة لأمريكا ويهرولون للتسبيح بحمدها خوفا على عروشهم التي يبني معها هؤلاء علاقة وطيدة معتقدين أنها لن تنتهي إلا بالموت المحقق معلقين آمالهم على أمريكا القادرة على حمايتهم ، ونسوا أن غضب الشعب أكبر من يواجه بالقمع من طرف الأنظمة الغاشمة ومن طرف أمريكا التي تجعل مصلحتها فوق كل اعتبار،وهذا ما شهدناه عندما استيقظت شعوب العالم العربي والإسلامي من سباتها العميق وقررت أن تثور ضد أنظمتها في كل من تونس وليبيا ومصر واليمن علما أن هذه الأنظمة كانت تكن كل الطاعة للغرب لكن سرعان ما انقلب عليها واعتبرها أنظمة لم تعد صالحة وجب إسقاطها بالقوة والبقية ستأتي على الأنظمة التي ما زالت تتعامل بنفس النهج مع الغرب الآن .
يمكن القول أن رحيل شافيز هي خسارة حقيقية لرمز ولرجل مناضل ثوري آمن بشعبه وانحاز إليه عبر نهجه طريق العدالة الاجتماعية ،واختار المواجهة مع الغرب وخاصة أمريكا ،وخسارة للشعوب العربية التي كانت حاضرة دائما عند الزعيم الراحل وخاصة فلسطين التي دافع عنها وعن حقها في التحرر من السرطان الصهيوني الذي لا زال يرتكب الجرائم في حق الأبرياء أمام أنظار العالم دون حسيب ولا رقيب.
حتى وإن إختلفنا مع الرجل الراحل فيما يخص دعمه للنظام السوري الذي يرتكب الجرائم في حق شعبه والذي دمر سوريا عن بكرة أبيها إلا أننا نقول نتمنى في أوطاننا أن تستيقظ هذه الأنظمة الديكتاتورية وتتعلم الدرس من هذا الديكتاتور المحبوب الذي أحبه شعبه من خلال سياسته التي ملك بها قلوب المستضعفين من شعبه ومن خلال مواقفه الرافضة للهيمنة الغربية وتتعلم أنها مهما قدمت من تنازلات لأمريكا والغرب فإن ذلك لن يضمن لها أن تبقى في السلطة إذا لم تكن في صفوف شعبها وتدافع عن مصالحه .


0 تعليق على موضوع "الديكتاتور المحبوب"


الإبتساماتإخفاء