ألقاب حاكم عربي في غير موضعها

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0
رشيد أخريبيش
 عادة عندما يتم الحديث عن حكامنا العرب يتم تمجيدهم بكلمات رنانة أو تطلق عليهم أزكى الألقاب أوتنشد في حقهم أشعار التقدير والاحترام ،أوفي بعض الأحيان يتم تقديسهم وتبجيلهم وربما نجد من يركع لهم من دون الله ،وما أكثر هؤلاء في زمننا هذا.
كلما دخلت دولة عربية يحكمها أحد من هؤلاء الزعماء إلا ووجدت أن هناك ألقاب خاصة يتم تداولها بين المواطنين في حق الحكام فقط ،حيث لا يمكن لك أن تتجرأ بإطلاق هذه الألقاب على شخص دون غيرهم ،فبعضهم يطلق على حاكمه أميرا بالرغم من الإمارة براء منه،وبعضهم يطلق على الحاكم لقب زعيم الثورة بالرغم من أنه جاء عبر انقلاب أو استيلاء على السلطة ،وبعضهم يطلق عليه اسم الإمام العادل في حين أنك إذا دققت في مساره ستجده كله ملطخ بدماء الشعوب .
إذن كل هذه الألقاب والأسماء الجميلة التي تقال في حق هؤلاء "الزعماء"  لم تأتي عبثا ولم تترسخ في أذهان الشعوب هكذا لكن عبر مخطط ممنهج دأب عليه هؤلاء لإعطاء الشرعية لأنفسهم ،فالحاكم البطل في نظر هؤلاء والذي يعتبرونه منة من السماء ،لا يمكن أن يعوضه أحد في نظرهم ،وأن السوبرمان أو الزعيم المعصوم والذي يتخذ القرارات المناسبة في اللحظات المناسبة لا يمكن إلا أن يكون زعيما يتصف بصفات يمتاز بها عن غيره .
فألقاب التمجيد والتقديس لم تأتي من الشعوب أنفسها، ولم تنتشر كالنار في الهشيم، إلا بعد مسلسل طويل من هؤلاء لصنع إستراتيجية مبنية على السيطرة والاستعباد بدلا من صنع علاقة مبنية على الشرعية والديمقراطية.
فكثرة الألقاب التي لا يستحقها هؤلاء وكثرة والنياشين والرتب العسكرية التي يحملونها ،هي كلها تصب في منحى واحد وتسير في اتجاه واحد الذي مهد له هؤلاء وسخروا له جنودا وقد نجحوا في ذلك إلى حد ما ،واستطاعوا على مر عقود أن ينتجوا نوعا من العقلية التي تطبل للنظام وتصفق له ،وتجعل منه الحاكم الذي يستلهم حكمه من الإله ،بل هو الإله  نفسه في بعض الأحيان.
لا عجب أن نرى صور الزعماء تعلق على الجذران و في المقاهي والحانات والبارات ،ولا عجب أن نرى من يقبلها أمام الكاميرات في كل المناسبات ويهتف باسم الحاكم ويسبح بحمده لأن مانراه هو وليد تراكمات وامتداد لذهنية تقديس الحاكم التي دأبت عليه هذه الحكومات والتي كرست مبدأ الركوع والخنوع ،وخلطت بين فكرة تقديس الحاكم وتقديس الوطن ،بل استطاعوا هؤلاء الحكام خلق عقلية تعتبر تقديس الحاكم ضرورة دينية لا خروج عنها،كما عبر مؤخرا مفتي السعودية حيث قال بالحرف الواحد "إن نقد ولاة الأمر علنا لا يصدر إلا من مريض فاسد الأخلاق والعقيدة" صدق فضيلة المفتي وصدقت أقواله التي تدعو إلى القبول بالعبودية والانقياد لهذا الحاكم العربي الذي لم ترى معه الشعوب سوى الويلات والأحزان
كل هذه الألقاب والأسماء الحسنى التي لا تجب إلا في حق الأنبياء والصالحين والتي يلقب بها الزعماء العرب كلها في غير موضعها ، فهذه الأسماء لم يكتسبها هؤلاء عبر انجازات ولا عبر نضالات في سبيل الوطن ،وأن النياشين التي يحملها هؤلاء ليست نتيجة لخوضهم حروبا ولا تحريرا لأراضيهم ولا نتيجة للتصدي للأعداء، بل هي ألقاب استعملها الحاكم الديكتاتوري كوسيلة للظفر بالكرسي دون أن يتقاسم ذلك مع أحد.
فمفهوم الوطن في الشعوب العربية يعادل مفهوم الحاكم بل الحاكم أفضل من الوطن في غالب الأحيان، فقد يضحي العربي من أجل زعيمه أكبر مما يضحي على وطنه،قد يموت العربي ليس من أجل دينه ولا من أجل وطنه ،بل يموت ويحيا من أجل زعيمه المبجل .
إذن بعد كل هذا لا مجال لأن تتساءل الشعوب العربية عن التغيير والديمقراطية وتتساءل عن مركزها بين شعوب العالم ما دام أنها قد وأدت الديمقراطية بنفسها وأجلت التغيير إلى أجل غير مسمى ،وشغلت نفسها بالبحث عن أحلى الألقاب لزعمائها بدل البحث عن الديمقراطية والتخلص من حاكم سعى ويسعى إلى استعبادهم .
فنحن لا نحتاج إلى اختيار الألقاب لزعمائنا، ولا نحتاج إلى تبجيلهم وتقديسهم ،بل نحتاج إلى شعوب تملك إرادة قوية في أن تصيح يوما ما في وجه هؤلاء الذين استمرؤوا استعبادنا وتلذذوا في تعذيبنا ،بأن يتنازلوا عن السلطة بعد أن أذقنا  معهم الويلات إما طاعة أو كرها .
ليس لدينا مشكل مع الألقاب ولا مع الأسماء التي يتم اختيارها لهؤلاء الحكام ،ولكن المشكل يكمن في كون هؤلاء لا يستحقون كل ذلك التقديس والتبجيل ،لأن ذلك لا يشرفهم ما دام أنهم ممن يجعلون مصالحهم الشخصية فوق كل اعتبار،ويقدمون مصالحهم على المصالح العليا للوطن،وينتظرون الوقت المناسب للفرار أو مواجهة الثورة التي يمكن في أي لحظة أن تنطلق شرارتها  بعد أن يستيقظ الشعب من سباته.

0 تعليق على موضوع "ألقاب حاكم عربي في غير موضعها"


الإبتساماتإخفاء