شهداء الحكومة

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0

:رشيد أخريبش
عادة عندما يسقط شهداء الحرب ،ترتفع الزغاريد والهتافات وإطلاق الرصاص وترتفع صيحات التكبير  وتقدم الورود وتتجه كل الأنظار إليهم ويتم تشييع جنازاتهم وسط احتفالات ضخمة ،تعيد للشهيد جميل ما قدم من تضحيات ،كل هذا جميل ومن واجب على الجميع فعل ذلك ،لكن أن يسقط الشهداء  دون أن تقام لهم الطقوس أو حتى أن نسمع عن أخبارهم في نشرات الأخبارالتي تقدمها قنواتنا الإعدامية فهذا ما لم نكن نتوقعه ولم يخطر ببالنا أبدا.
نعم إنهم بالفعل شهداء لم يسقطوا في حرب ضد العدو،ولم يستشهدوا دفاعا عن الدين ،ولم يقدموا أنفسهم في سبيل تحرير الأرض ،بل قدموا أنفسهم دفاعا عن حقهم في العيش كبشر،إنهم شهداء أنفكو الذين  استوطن الموت بيوتهم ،وأصبح رفيقا لهم يخشون يوما يرحل فيه عنهم .
كلما اقترب فصل الشتاء وحان تساقط الثلوج إلا وبدأ سكان أنفكو التفكير في تحضير الأكفان والاستعداد لمرحلة تأبين شهداء الثلج الذين تختلط ألوان أكفانهم البيضاء بلون الثلوج ،ليبقى الموت الأسود هو الظاهر والمسيطر،في كل الأحوال.أطفال في عمر الزهور يشيعون وأمهات يعجزن حتى عن النظر في وجوه فلذات أكبادهن التي خطفها الموت مبكرا ،وأباء يحفرون القبور ودمعة الحزن لا تفارقهم ،وأهل يقيمون سرادق العزاء بكل أسف ،ليخيم الصمت على القرية ويسيطر عليها الحزن من كل جانب،دون أن يجدوا من يتقاسم معهم ذلك الحزن أو جزءا من تلك المعاناة.
دعونا اليوم لنتوقف ولو للحظة ،لنطرح سؤالا ربما قد سبق وأن طرحه سكان أنفكو ومن بعدهم المغاربة ،أين حكومتنا مما يحدث في أنفكو؟ أين من جاءوا حاملين مشروع الإصلاح ؟أو ليس الموت كاف لهؤلاء لعيدوا النظر في شعب ألف الموت بل أصبح الموت رفيقه ؟
ربما الحكومة المغربية لا تأبه لهذا الذي يحدث ولا تعير اهتماما لموت هؤلاء ،وإنما هي مشغولة باللقاءات واستقبال الزعماء،ومشغولة بالسياسة الدولية وبالشأن السوري ،ومهتمة بالنقاشات داخل البرلمان التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، ومستمرة في تقديم مسرحياتها الهزلية التي سئم منها الشعب المغربي وتمنى لو توقفت هذه الأخيرة عنها.
لم تكن هذه هي المرة التي يسقط فيها الضحايا في أنفكو بسبب البرد القارص أو شهداء الحكومة كما فضلنا أن نسميهم ،بل مآسيهم تتكرر كلما جاء فصل الشتاء وتساقط الثلوج ،دون أن يكونوا موضع اهتمام من أحد ،لا من الحكومة التي كان من الأولى أن تدفع عنهم شر ذلك الموت الذي يلاحقهم، ولا من حيث الإعلام الذي شغل الدنيا بمهرجانات وحفلات وسهرات أهلكت الحرث والنسل .
وزارة الصحة التي طالما شنفت أسماعنا بالإصلاح في قطاع الصحة هي الأخرى لم نرى أي تحرك منها لإنقاذ هؤلاء ،بل وزير الصحة نفسه الذي كان من المنتظر أن يتدخل لم يحرك ساكنا،فسعادة الوزير يفضل فقط الحديث عن وردوية القطاع وعن انجازات افتراضية تم انجازها في عهد حكومته .
ربما كان السيد وزير الصحة سيتحرك لو تعلق الأمر بالسياح الأجانب ولربما سخر تلك الطائرات التي تمتلكها الوزارة والتي خصصتها فقط لإقليم مراكش كما سبق وأعلن السيد الوردي  لإنقاذ هؤلاء ،أما عندما تعلق الأمر بهؤلاء المحاصرين في جبال الأطلس الذين يواجهون قساوة البرد بصدور عارية وببطون تتقطع جوعا ،فلا حياة لمن تنادي .
إذن هذا هو مغرب الإصلاح كما وعدت به الحكومة المغربية، وهذا هو مغرب الحقوق الذي نادى به الدستور الجديد الذي صوت عليه الشعب المغربي بالأغلبية، والذي كانوا يعتقدون أنه سيكون بمثابة القطيعة مع ماض لم يجلبوا من وراءه سوى الأحزان.
ربما السيد رئيس الحكومة لا يهمهه هؤلاء المواطنون ولا تهمه آلامهم ومعاناتهم،بقدر ما يهمه العفاريت والتماسيح الذين جعل منهم قصة تروى على مسامع الناس ليوهم أن الحكومة بصدد محاربة الفساد والمفسدين مع العلم أنه الوحيد في العالم الذي رخص لهؤلاء  المفسدين عندما قال قولته الشهيرة "عفا الله عما سلف"
عذرا سيدي الرئيس إن كان موتنا يسبب لك القلق ويحرجك، عذرا إن كان موتنا يعكر جو الفرح عندك، عذرا إن كان القدر قد رمانا في هذه الجبال فنسبب لك المتاعب عندما تقرر الحديث عن مغرب التقدم والديمقراطية.



0 تعليق على موضوع "شهداء الحكومة "


الإبتساماتإخفاء