عذرا أيتها الديمقراطية لسنا أهلا لك

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0

بعد طول انتظار وبعد أن ضاعت أحلامنا في معانقة الديمقراطية أسمح لنفسي وأطلق العنان لها أيها القارئ الكريم وأعترف أمام محكمتك الموقرة وأقول عذرا أيتها الديمقراطية لسنا أهلا لك ،ولسنا أهلا لممارستك ،بل أقول إن زمن إحلالك في أوطاننا لم يحن بعد.
في الوقت الذي تجاوزت فيه شعوب العالم الحديث عن مسألة الديمقراطية ولجأت إلى التفكير فيما يمكن أن يحقق لها التقدم والازدهار نجد مجتمعاتنا العربية والإسلامية لا زالت تتخبط في مسألة الديمقراطية التي لم تستطع على مر عقود من ترسيخ مبادئها على الأرض ،سواء بقبول ممارستها تحت حكم الأنظمة الديكتاتورية أو ممارستها في عهد ما سمي بالربيع العربي ،الذي أعطى لنا آمالا وردية للانتقال من زمن الديكتاتورية والظلم إلى زمن الديمقراطية والعدالة ،في كلا الحالتين فشلنا ،وفي كلا الحالتين أعلنا عجزنا عن ممارسة الديمقراطية بل عجزنا حتى عن محاكاة ولو مبدأ من مبادئها،لنكون بذلك ممن تطفلوا على الديمقراطية وأساءوا لها بشكل كبير.
كانت الآمال والتطلعات معلقة على الثورات التي انطلقت شرارتها في الدول العربية ،وعلى ذلك الحراك الذي عصف بالعديد  من الدول ، حيث كان من المنتظر أن يتم تجسيد هذه الثورات الديمقراطية في هذه البلدان ،وتحقق أحلام العرب والمسلمين الذين عانوا من التسلط والظلم على مر السنين .
انطلقت الثورات واستطاعت بعض شعوبها أن تتخلص من حكامها الذين جثموا على صدورها لعقود ،لكنها في المقابل لم تستطع الوصول إلى الهدف الذي من أجله أعلنت الثورات والذي من أجله ضحت الشعوب بأرواحها ألا وهو مبدأ الديمقراطية ،الديمقراطية التي عجز العرب عن تطبيقها ولا حتى القبول بشروطها والأمثلة لا يمكن حصرها في عالمنا العربي والإسلامي.
عندما بدأ الشعب التونسي يحلم بإقامة الديمقراطية واستئصال الديكتاتورية من جذورها ،حيث أشعل ثورة كان صداها قد وصل إلى العالم كله ،لكن ما إن اعتقد الكل أنها نجحت حتى ظهرت أصوات تتهم النظام الجديد بإعادة الديكتاتورية، بالرغم من أنهم كانوا هم من اختاروا هذا النظام وطبلوا له ،نفس الشيء في مصر التي كنا نعتقد أن شعبها الذي استطاع أن يزيح فرعون العصر أبعد من أن يسقط في دائرة الخلاف بعد الثورة ،حيث الآن تشهد أزمة خانقة منعتها من تطبيق الديمقراطية التي قدموا دماءهم من أجلها.
قدنا ثورات وأسقطنا أنظمة ديكتاتورية وأزحنا جملوكيات وراثية ،لكن عندما أردنا أن نمارس الديمقراطية وجدنا أنفسنا غير مؤهلين ،بل وجدنا أنفسنا في واد والديمقراطية في واد  آخر وأن الانتقال الديمقراطي بيننا وبينه سنوات ضوئية .
كان على الشعوب العربية قبل أن تقرر الدخول في عالم الديمقراطية أن ترتب نفسها وتعيد النظر في ممارساتها التي دأبت عليها والتي لا تقبل الاختلاف والتعددية التي ورثتها عن الأنظمة الديكتاتورية التي رسخت  في أذهانها مفهوم الإقصاء وعدم تقبل الآخر وإن كانت تظهرأنها حامية الديمقراطية والعدالة.
نحن لسنا ضد الديمقراطية ولا نطالب الشعوب بأن تقبل العيش تحت الظلم والاستبداد ولا أن تكون نعاجا تساق من كل من هب ودب ولكن فقط قبل أن تقدم على التغيير أو حتى التفكير فيه  يجب أن تكون قادرة على إدارة مرحلة ما بعد التغيير ،وهو عكس ما نراه الآن فالشعوب العربية تعاني الانقسام فيما بينها والإخوة الذين كانوا بالأمس متحمسين لإسقاط الأنظمة هم الآن مختلفون على أبسط الأشياء بعد الثورة .
من حق شعوبنا التي عانت لعقود من الظلم والاستبداد الذي صنعته الأنظمة الديكتاتورية أن تمارس الديمقراطية ،ومن حقها أن تحذو نحو تحقيق الديمقراطية، ومن حقها أن تثور ضد حكامها المتسلطين ،ولكن ما يجب عليها فعله هو الحفاظ على ذلك التغيير الذي صنعته ومحاولة الارتقاء به ، وممارسة الديمقراطية انطلاقا منه ،فالديمقراطية ليست كلاما يقال في المناسبات ولا شعارات ترفع في الشوارع ،ولا حتى خطابات تلقى من على شاشات الفضائيات ،بل الديمقراطية مبدأ  يجب الإيمان به والاقتناع به وممارسته على الأرض .
في الحقيقة شعوبنا تحتاج إلى سنوات لترتيب نفسها والتخلص من أفكارها الموروثة عن زمن التسلط و غربلتها من كل ما يمكن أن يؤثر على سير الانتقال الديمقراطي، آنذاك يمكننا  القول أننا بالفعل أهل لممارسة الديمقراطية .



0 تعليق على موضوع "عذرا أيتها الديمقراطية لسنا أهلا لك"


الإبتساماتإخفاء