مصر والانقلاب على الشرعية

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0



رشيد أخريبيش

بعد الأحداث التي تشهدها مصر الآن والتي يراد من خلالها الانقلاب على الشرعية المصرية، وعلى الديمقراطية التي جاءت بعد سنوات من النضال وطول الانتظار، والتي دفع في سبيلها المصريون ثمنا غاليا، يمكن القول أن الثورة المصرية في خطر بعد وقت قصير من نجاحها .
عندما كان الشعب المصري بأكمله أقباطا ومسلمين ،سلفيين وعلمانيين يخرجون إلى ميدان التحرير للمطالبة بإسقاط النظام الذي أذاقهم الويلات، وقد نجحوا في ذلك واستطاعوا أن يزيحوا نظاما فاسدا أبان عن تبعيته للغرب على الدوام يعود المصريون مرة أخرى لا لإسقاط النظام الفاسد وإنما للتمهيد لفتنة قد تكون عواقبها وخيمة على مصر وعلى شعبها .
فمحاولة الخروج على الرئيس أو المطالبة بإسقاط النظام الجديد هو بمثابة الخروج عن الشرعية التي ضحى من أجلها الشعب المصري بالغالي والنفيس ،وعبر عنها في انتخابات شفافة شهد العالم على نزاهتها .
إذن السؤال الذي يطرح هنا والذي أمامه علامة استفهام ضخمة من هو الرئيس الذي يريده المصريون ؟ هل يريدون رئيسا ديكتاتوريا يأتي عبر صناديق الاقتراع المزورة والذي يتلقى أوامر من الغرب والذي يبطش بالشعب ويعيث في الأرض فسادا كما هو الأمر مع فرعون مصر حسني مبارك ،أم يريدون رئيسا ديمقراطيا يأتي بانتخابات حرة ونزيهة وهو ما حصل مع الرئيس محمد مرسي الذي اختاره المصريون عن جدارة واستحقاق وعن اقتناع تام.
لا شك أن الشعب المصري والذي نعترف له بنضجه السياسي والفكري ،والذي نقر بأنه قادر على صنع المستحيل خاصة بعد ثورته المجيدة التي أكدت على أن الشعب المصري قادر على صنع المعجزات،لن يكون غبيا إلى درجة يمكن اللعب بمشاعره ممن لديهم  مصلحة في عدم نجاح الثورة والسير بها نحو الاتجاه الخاطئ .
كنا نعتقد أن المصريين بعد الثورة المجيدة سيعلنون دفاعهم عن الثورة والتصدي لكل المؤامرات التي تسعى إلى وأدها ،لكننا وبكل أسف نرى واقعا يندى له الجبين ،فعوض أن يدافع المصريون عن الثورة ،ويلتفوا حول الرئيس الشرعي ليعلنوا انتصار الثورة ،ذهبوا أبعد من ذلك حيث عادوا مرة أخرى ليحاولوا إيقاظ الفتنة التي ستعيد مصر إلى عهدها السابق وإلى سيرتها الأولى في حالة اشتعالها.
بعد توقعات كنا نعتقد من خلالها أن مصر ستعود إلى أن تأخذ مكانتها الأولى باعتبارها دولة محورية لها صوتها ولها فاعليتها داخل المجتمع الدولي والذي فقدته بسبب سياسات الأنظمة الديكتاتورية التي تعاقبت عليها والتي باعت قضايا المصريين والعرب بشكل عام بأثمان بخسة ،وفضلت البقاء تحت السيطرة بعيدة كل البعد عن مراكز اتخاذ القرار،خاصة بعد الثورة المجيدة التي جاءت برئيس وطني مستقل عن أي تدخل أجنبي بعيد كل البعد عن إملاءات واشنطن وتل أبيب ،تقف مصر اليوم بين مفترق طرق بين من يدعم الثورة ويتمنى نجاحها وبين من يعادي الثورة ويطالب بتفتيت مصر ومن ثم إفشال مسلسل الإصلاح الديمقراطي وإحداث الفتنة التي بلا شك تقف من وراءها أطراف خارجية لا تريد للمصريين أن ينعموا بهذا الإنجاز الديمقراطي .
قد نتساءل ويتساءل الكثير العرب و المسلمين عن الأسباب الحقيقية وراء اندلاع هذه الاحتجاجات في مصر والتي تطالب بإسقاط نظام محمد مرسي بالرغم من أن هذا الأخير تم اختياره من عموم المصريين ؟
مطالبة بعض المصريين بإسقاط النظام لا يمكن أن يكون إلا محاولة غربية للتدخل في الشأن الداخلي المصري بعد أن بدأت مصر الجديدة برئيسها أن تضع مكانا لنفسها وسط ما يحدث الآن في العالم العربي خاصة بعد قرارات محمد مرسي التي كان أولها دعوة الرئيس  مرسي سفير مصر من إسرائيل بعد المجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال داخل القطاع ودعا المجتمع الدولي إلى عقد جلسة طارئة لدراسة الأوضاع في غزة ،حيث أحس الغرب أن مصر التي كانت دائما تذعن لأوامر الغرب وتحرس حدود إسرائيل لم تعد كذلك ،بل على العكس من ذلك وجد نفسه أمام دولة مستقلة بقراراتها لا تقبل أي من الإملاءات التي كان الغرب يمليها على الأنظمة السابقة ،مما أدى بهذا الغرب إلى العمل على إسقاط النظام كي يتسنى له الحفاظ على أمن إسرائيل الذي يعتبره أمنا مشتركا .
بالإضافة إلى هذه  القراءة لما يحدث الآن في مصر والتي أسميناها بالمؤامرة التي لا نستبعد أن يكون الغرب متورطا فيها ،هناك قراءة أخرى لما يحدث الآن في مصر ،حيث  يمكن القول أنه بعد الإعلان الدستوري الذي اعتبر بمثابة الفتيل الذي أشعل النار ،بعد أن ارتأى من خلاله النظام المصري إلى محاكمة رموز النظام السابق الذين تمت تبرئتهم من جرائم قتل المصريين بسبب عدم وجود أدلة على ذلك ،حيث لم يرق ذلك الإعلان البعض ممن يخشون يوما يسوقهم الشعب المصري إلى المقاصل ،وفكروا في الخروج إلى الشارع من أجل القضاء على الديمقراطية ووأد الثورة التي كشفت عورات هؤلاء وزرعت في قلوبهم الرعب .
إذن في كلتا الحالتين ستكون النتيجة واحدة الثورة المصرية في خطر سواء من الغرب الذي لا تروقه سياسات رئيس مصر الجديد ،خاصة تجاه قضايا المسلمين ،ولا من جهة العلمانيين الذين لا يريدون للمشروع الإسلامي أن يتمكن من قبض زمام الأمور والذي يختبأ وراءه العديد من رموز النظام السابق الذين يحاولون أن يدفعوا بمصر نحو الفتنة للخروج من المعركة بأقل الخسائر.





0 تعليق على موضوع "مصر والانقلاب على الشرعية"


الإبتساماتإخفاء