من الحشرات إلى الحكام

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0


أخريبيش رشيد
إذا تأملنا عالم الحشرات مليا سنجده عالما أشبه بعالم الإنسان إلى حد ما،بل هو أكثر تنظيما ودقة من هذا الأخير ،الذي أنعم الله تعالى عليه بالعقل وكرمه لوحده لكنه يعيش حالة الفوضى ويفتقر إلى التنظيم الذي يرقى به إلى مستوى يمكن أن يكون مخالفا للكائنات الأخرى التي لا تملك العقل .
بينما كنت أشاهد فلما وثائقيا عن النحل لفت انتباهي معلومة جميلة وغريبة أيضا لأنني لم أتعود على سماع مثلها مفادها أن ملكة النحل يتم استبدالها كل سنتين أو ثلاث سنوات لأنها لم تعد قادرة على الإنتاج ،لذلك تخلفها من لديها القدرة على ذلك ،لذلك حاولت فهم ذلك السلوك الحضاري الراقي الذي ضربته النحل في مجال الديمقراطية بامتياز.
بعد تأمل في هذه المعلومة التي أسمعها للمرة الأولى حاولت طرح سؤال أمامه علامة استفهام ضخمة ما الذي يجعل عالم الحشرات عالما مليئا بقيم الديمقراطية والعدالة عكس عالم البشر الذي تحكمه الفوضى ؟من خلال هذه المعلومة التي جاءت من عالم الحشرات ارتأينا أن ننتقل إلى عالمنا البشري وخاصة عالمنا العربي والإسلامي الذي عجز حتى الآن عن تقليد النحل ولو في أبسط قوانينه ونواميس تعامل أفراده فيما بينهم وعلاقته بالحاكم الذي يلتزم بالشرعية أثناء ممارسته سلطة الحكم.
ولمقارنة عالمنا نحن وخاصة عالمنا العربي والإسلامي بعالم النحل قد نصاب بالدهشة وربما قد نظلم جماعة النحل عندما نقارنها بعالمنا العربي والإسلامي الذي لم تذق فيه الشعوب يوما حلاوة الديمقراطية بل لم تشم حتى رائحتها على الأقل مع أنظمة تعودت ألا تفارق عروشها إلا بعد أن تلحق بها المنية أو تعصف بها رياح التغيير كما وقع مع العديد من الأنظمة الشمولية الديكتاتورية بعد الثورات التي اندلعت في مطلع العام 2010 والتي أعلنت الحرب عليها وأدخلتها في مزبلة التاريخ.
لو تعلمت الديكتاتوريات العربية والإسلامية الدروس على الأقل من أصغر الكائنات على وجه البسيطة لربما كانت ستكون نهايتها بطريقة مختلفة  عن تلك الطريقة المأساوية التي طبعت نهاية العديد من الأنظمة .و نحن نقول لو تعلم القذافي الدرس من جماعة النحل لكانت نهايته غير تلك التي قد تمت بطريقة مأساوية جعلته يدخل مزبلة التاريخ ،لو تعلم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك الدرس لما وضع في القفص محكوم عليه بالمؤبد ينتظر يوم قدوم ملك الموت الذي سيخلصه من شر حكمه الذي جاء عليه وبالا،لو تعلم الرئيس التونسي الدروس من تلك الحشرات لما هرب كاللص الملاحق ،لو تعلم بشار الأسد في سوريا الدروس لتوقف عن سفك دماء الشعب الذي سيكون هو الحكم في النهاية  على تنفيذ العقوبة عليه، بل يمكن القول أنه لو تعلم هؤلاء الدروس لكان أفضل لهم مما هم فيه الآن .
بعد كل هذا الذي حدث ،وبعد كل تلك الأنظمة التي لم تتعلم الدروس والتي كان مصيرها مزبلة التاريخ ،حري على من بقي من أولئك الحكام المتسلطين في القرن 21 والذين استعبدوا الشعوب مثل القطعان واهلكوا الحرث والنسل أعادوا دولهم إلى عصور الجهل والظلام .أن يتعلموا الدروس من تلك الكائنات ومن أصدقائهم ممن كانوا حتى عهد قريب أمثالا لهم في الديكتاتورية بل هم أشد منهم . على هؤلاء أن يعيدوا الأنظار في مصيرهم ومصير أبناءهم .
حري بهم أن يقبلوا بالديمقراطية التي تقبل بها أبسط الكائنات ،حري بهم أن يحتكموا إلى صناديق الاقتراع الشعبية النزيهة لا صناديق الاقتراع المخابراتية  التي تعيد المشروعية للحاكم لمدد لا تبقي ولا تذر ،حري بهم أن يعيدوا الأمل إلى الشعوب ويغادروا تلك الكراسي التي تتمنى يوما أن يزاح عنها مثل هؤلاء الذين ملت منهم هي الأخرى والتي تتمنى يوما يزاح فيه هؤلاء عنها .
حري بهؤلاء أن يعلموا جيدا أن زمن استعباد الشعوب لم يعد موجودا وأن زمن قيادة الشعوب مثل القطعان لم يعد موجودا لأن الثورات الديمقراطية التي عصفت بالعالم العربي وبدول المغرب الكبير يبدوا أنها أعادت رسم الخارطة السياسية في المنطقة وأعادت بناء فكر عربي أمازيغي إسلامي مستقل ،يرفض الخضوع والخنوع والإستسلام ويرفض المساومة على الحرية والديمقراطية مهما كلفه ذلك من تضحيات.  




0 تعليق على موضوع " من الحشرات إلى الحكام"


الإبتساماتإخفاء