الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0





تدريس الأمازيغية إلى أين



 ذ:أخريبيش رشيد

قد يقول البعض لماذا هذه الضجة حول تدريس اللغة الامازيغية بالمدرسة المغربية؟   وبالأحرى لماذا تدريس اللغة الامازيغية؟.إذا ما رجعنا إلى هذا السؤال و الذي نسمعه كثيرا في الشارع وفي أوساط الأطر التربوية ،وكذلك عند الآباء و الأمهات ،فإننا فعلا أمام سؤال جوهري يمكننا من فهم ماذا نريد من الامازيغية عندما تلج أبواب المدرسة المغربية. ؟
بعدما تم تجريب تدريس اللغة الامازيغية و بشكل ارتجالي وعشوائي لأنه تم استبعاد أهل التخصص و الذين ناضلوا من اجل هذا الحق و لان الأمر في فتح باب تدريس اللغة الامازيغية من ورائه خلفيات سياسية لا تريد لهذا المشروع الوطني ان ينجح منذ البداية بل هو فقط شر لا بد منه ،و بالتالي لا بد من قولبته حسب ما يخدم مصالحهم .فالبرغم من أن تدريس اللغة الأمازيغية دخل حيز التنفيذ،وأكد عليه الميثاق الوطني للتربية والتكوين إلا أن الطموحات في واد والواقع في واد آخر،فالأمازيغية بالرغم من أنها أصبح منصوصا عليها في الدستور كلغة وطنية إلى جانب اللغة العربية ،لم تأخذ حقها في المدارس المغربية كما ينبغي. فكيف يمكن لنا أن نحقق إصلاحات مع أنفسنا دون استحضار المجتمع داخل المدرسة،فتدريس اللغة الأمازيغية والتدريس بها أصبحت ضرورة أساسية لإستحضارهذا المجتمع،كيف نريد من الطفل في المدرسة أن يستحضر المجتمع ،ولأن اللغة هي مفتاح الفكروالإبداع فكيف نريد من هذا الطفل أن يبدع داخل وطنه في الوقت الذي يحس بنفسه غريبا عن هذا الوطن ، فتدريس اللغة الأمازيغية الفعلي أصبح ضروريا إذا كنا نهدف إلى مغربة المدرسة المغربية و بالتالي غرس روح الوطنية في نفوس المغاربة  ، كما أن ضرورة العودة إلى الأصل ، و الإصلاح ثم إنصاف الامازيغية في أوساط المجتمع أصبح من اللازم حاليا لتدارك كل الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الدولة بسبب سياسات لا  وطنية مارستها الحكومات السابقة.
من الأشياء التي تجعل تدريس اللغة الأمازيغية ضرورية بل واجبة هو أن هذه الأخيرة لها ما يجعلها لغة وطنية تضاهي اللغات الأخرى ،إضافة إلا أنها لغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية و لاعتبارات أخرى يمكن ذكرالبعض منها على سبيل المثال.
ضرورة تدريس اللغة الامازيغية و التدريس بها لكونها لغة لها كافة المقومات الذاتية تجعلها لغة قائمة بذاتها.
ضرورة التدريس بالامازيغية باعتبارها اللغة الوطنية للمغاربة بامتياز ولها حمولة ثقافية وحضارية ،وهي كذلك حق وطني و دولي طبقا للاتفاقيات الدولية.
ضرورة تدريسها تطبيقا لمبدأ الديمقراطية و احترام الغير و كذلك تلبية للطلب المتزايد عليها من الراغبين في تعلمها و لكونها مفتاح كل ما يتعلق بالامازيغ في شمال افريقيا.
ضرورة تدريسها تفاديا للفوضى اللغوية و الفشل التام للتعليم المغربي و في سبل تحقيق تقوية التحصيل العلمي و الاندماج الكلي في المغرب.
ضرورة تدريسها و ذلك من اجل جعل المواطن المغربي يتمتع بجميع مقومات الشخصية المغربية. ومن هنا فان إدخال الامازيغية في النسيج التعليمي ببلادنا تفرضه عدة اعتبارات منها ما هو حقوقي و ما هو تاريخي و ما هو إنساني وما هو هوياتي ...فمن الناحية الحقوقية فان جميع المواثيق  والمعاهدات الدولية تنص على المساواة بين جميع اللغات والثقافات في العالم اجمع أي ان تتمتع بنفس الحقوق و الامتيازات،كما تنص هذه المواثيق على ضرورة التدريس بلغة الأم.أما من الجانب الهوياتي فلا احد ينكر أن الامازيغية هي مكون أساسي من مكونات الهوية الوطنية المغربية  والمغاربية بشكل عام،أما من الناحية التاريخية فلا يخفى على احد أن الامازيغية هي أقدم لغة عرفتها ارض شمال إفريقيا،فهي لغة سكانها الأصليين،و جذورها التاريخية مرتبطة بالإنسان الذي سكن هذه الأرض منذ أقدم العصور،فبالامازيغية عبر سكان شمال إفريقيا عن المهم وعن فرحهم  وعن إبداعاتهم عبر الفترات التاريخية الطويلة و مازالوا إلى يومنا هذا،رغم كل التحديات و الاجتياح التي عرفتها المنطقة عبر الزمن من الرومان الفينيقيين إلى العرب،فقد صمدت ولم تنقرض إلى يومنا هذا .
 تدريس اللغة الامازيغية يستمد مرجعيته الأساسية من الخطاب الملكي  بتاريخ 20غشت 1994 حيث دعا الملك الحسن الثاني  إلى ضرورة العناية بالامازيغية  وتدريسها بالتعليم الابتدائي على الأقل ومن خطاب العرش يوم 30 يوليوز 2001 الذي أعلن فيه الملك عن إدراج اللغة الامازيغية لأول مرة بالنسبة لتاريخ بلادنا في المنظومة التعليمية الوطنية ومن الخطاب الملكي السامي في أجدير بتاريخ 17 أكتوبر 2001 حيث أكد الملك محمد السادس بمناسبة الإعلان عن هذا الظهير الشريف المحدث للمعهد الملكي للثقافة الامازيغية  .أن الامازيغية التي تمتد جذورها في أعماق تاريخ الشعب المغربي ،وهي ملك لكل المغاربة بدون استثناء و أنها مكون أساسي للثقافة الوطنية و تراث ثقافي زاخر شاهد على حضورها في كل معالم تاريخ الحضارة المغربية.
بالرغم من كل هذا فواقع تدريس اللغة الأمازيغية يندى له الجبين وتقشعر له الأبدان ويحيلنا إلى سؤال أساسي هل المغرب لديه نية صادقة لتدريس اللغة الأمازيغية؟
من المعروف أن الأمازيغية كانت تدرس في المغرب إبان مرحلة الحماية ، والظهير البربري لسنة 1930م على الرغم من حمولاته العنصرية والاستعمارية ، مؤشر دال على اهتمام المستعمر بضرورة تدريس الأمازيغية في المغرب ليسهل التواصل مع أفراد المجتمع الأمازيغي الذي كان مشتتا في جبال الريف وجبال الأطلس المتوسط والأطلس الصغير والأطلس الكبير. ويحيل هذا على أن اللغة الأمازيغية كانت منتشرة في الجبال، بينما العربية في المقابل كانت لغة سائرة في السهول. ويعني هذا أن الأمازيغيين طوال تاريخهم كانوا مقاومين أشداء وأناسا مضطهدين يلتجئون إلى الجبال للاحتماء من المستعمر الدخيل وبعد كثرة الاحتجاجات الحزبية والجمعوية الأمازيغية في العقود الأخيرة من القرن العشرين التي كانت تنادي بإدماج الأمازيغية في المنظومة التعليمية، ارتأى الملك الحسن الثاني أن يستجيب لمطالب الشعب المغربي ، فأعلن اعترافه بأهمية اللغة الأمازيغية وضرورة تدرسيها في المدرسة المغربية باعتبارها مكونا حقيقيا وجوهريا للهوية والحضارة المغربية .وقد تعهدت وزارة التربية الوطنية في كتاب الميثاق الوطني للتربية و التكوين ” بتدريس اللغة الأمازيغية في تنسيق مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية،وشرعت في تنسيق مع المعهد الملكي الملكي للثقافة الأمازيغية،وشرعت في ذلك بطريقة تجريبية في المدرسة الابتدائية أولا، فالإعدادية ثانيا، ثم التعليم العالي ثالثا.
ولكن هذه الانطلاقة سرعان ما باءت بالفشل بتعثر المعهد في استصدار كتب المقررات والمناهج الدراسية،وبعد ذلك، ظهر تقاعس كبير في تدريس اللغة الأمازيغية من قبل الوزارة الوصية عندما جعلت تدريس المادة اختياريا وتجريبيا في المدارس الابتدائية المغربية، فاستغل الأساتذة هذه الفرصة، فرفضوا تدريسها لأسباب ذاتية وموضوعية، إضافة إلى كون التلاميذ غير الأمازيغيين ينفرون منها بسبب أو بدون سبب،كما أن المدرسين الذين أنيطت بهم مسؤولية تدريس هذه المادة لا يعرفون اللغة الأمازيغية ، ولم يتلقوا تدريبا في هذا الشأن ولا تأهيلا أكاديميا يخول لهم تدريسها، وهذا ينطبق كذلك على المفتشين والمكونين على حد سواء.
تدريبا في هذا الشأن ولا تأهيلا أكاديميا يخول لهم تدريسها، وهذا ينطبق كذلك على المفتشين والمكونين على حد سواء.زد على ذلك أن عملية تدريس الأمازيغية لم يصاحبها تأطير إيجابي وفعال للمفتشين والأساتذة نظرا لقلة الندوات والو رشات التكوينية والتي لا يحضرها كل الأساتذة؛ لأنها غالبا ما تعقد في العطل الدورية أو البينية أو بعد الانتهاء من مجزوءات السداسي الأول أو الثاني أو أثناء فترة الأعياد الوطنية أو الدينية.
اعتماد سياسة التقشف وشد الحزام، ونهج لغة الإقصاء والتهميش، وطرد الكفاءات الأمازيغية وتحييدها عن أدوارها الحقيقية في مجال التنمية اللغوية والثقافية، وابتعدنا عن سياسة التخطيط الممنهج الجيد ، فإن الأمازيغية ستقبر بعد سنوات قليلة، وسيتخلى عنها الشعب المغربي على مستوى التفعيل الإداري والمؤسساتي والثقافي بطريقة تدريجية، وتنسى كما نسيت لغات أخرى تماثلها في وضعيتها اللسانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحضارية.
وهذا ما يلاحظ فعلا في الواقع وفي ميدان التربية والتعليم وفي الساحة الثقافية الأمازيغية، فقد تراجع إيقاع تدريس اللغة الأمازيغية من سنة إلى أخرى، وفقد المفكرون المتنورون والجمعيات المدنية والثقافية المصداقية في مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وقل إقبال الأمازيغيين على هذا المعهد بسبب التنافر الكبير في وجهات النظر بين الإدارة و الأطراف المقابلة، دون أن ننسى الهوة الفاصلة بين المعهد والريفيين الذين لا يستفيدون بشكل إيجابي من خدمات هذه المؤسسة الموجهة لساكنة الجنوب على وجه الخصوص ، والدليل على ذلك أن أغلب الموظفين والمثقفين يحسبون على سوس بالمقارنة مع الأطلس المتوسط ومنطقة الريف. كما أن عملية النشر استفاد فيها من يحسبون على سوس من حصة الأسد،بينما الأمازيغ في الريف والأطلس فنادرا ما ينشر لهم المعهد .
وهكذا نسجل رداءة الواقع التربوي والتعليمي في ما يخص تدريس اللغة الأمازيغية، وانعدام الجودة الكمية والكيفية على المستوى الديداكتيكي والبيداغوجي لعدم وجود سياسة تربوية سليمة يضعها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في تنسيق مع وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر من أجل البحث عن الطرائق الكفيلة والسبل الناجعة لتدريس الأمازيغية في ظروف حسنة وبمناهج حديثة ومفيدة للمدرسة المغربية.
لقد مرت سنوات على مشروع تدريس اللغة الامازيغية بالمؤسسات التعليمية التي تقرر بها تدريس اللغة الامازيغية الا ان هذه المؤسسات،التي عرفت تدريس اللغة الامازيغية أصبحت تتراجع بها هذه التجربة بسبب الارتجالية و غياب الإرادة الصادقة لدى المسؤولين،وهو ما ميز عملية انطلاق المشروع منذ البداية.
فاين وصلت مثلا ،عملية تدريس اللغة الامازيغية ؟فالجواب الصادم هو ان التدريس لم يتعدى المستوى الأول ،مع استعمال الامازيغية للاستئناس ،فحسب نتيجة انعدام شروط استمراريتها المتمثلة في الدورات التكوينية للناطقين بالامازيغية ،و الذين يدرسون المستويات المستقبلة للأقسام الأولى و التي عرفت تجربة تعليمية اقل ما يقال عنها أنها فاشلة.إضافة إلى أن بعض الجامعات التي تحصى على أقل من رؤوس الأصابع والتي فتحت مسالك وتخصصات في اللغة الأمازيغية
بالرغم من المناشدات والمطالبات التي تأتي من طرف الحركة الأمازيغية والتي ما فتئت في كل المناسبات تطالب بتعميم للغة الأمازيغية ،والجدية في تدريسها بشكل فعلي في المدرسة المغربية،وفي جميع المستويات،وهو مالاحظناه في مسيرتي تاوادا 1 في الرباط وتاوادا 2 بالدار البيضاء ،وكان شعار المسيرتان هو تضامن جماعي ،لإسماع الصوت للدولة المغربية والمجتمع الدولي بأن الحقوق اللغوية لن يطالها تجزيئ ولا مماطلة تطبيقا لمبادئ الدستور.
فتدريس اللغة الأمازيغية سيظل مشكلة تأرق المجتمع المغربي بأكمله إن لم نتخذ إجراءات كفيلة لدعم تدريس اللغة الأمازيغية الفعلي،وأن تكون هناك نية صادقة عند جميع الشركاء،لتطبيق وتنزيل مضامين الدستور على الأرض الواقع،من دون ذلك لن نرى نجاحا لتعليمنا المغربي لأن تلك السياسات القديمة أبانت عن فشلها الذريع في إصلاح التعليم،بل على العكس من ذلك ساهمت وبشكل كبيرفي فشل المنظومة التعليمة التي غالبا ما تتجاهل واقع الشعب وتنطلق من مخططات لا تسمن ولا تغني من جوع.

0 تعليق على موضوع " "


الإبتساماتإخفاء