لا داعي للتّفاؤل… الوطن يحتضر

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0


رشيد أخريبيش

حاولت مراراً  البحث عن شيء يجعلنا نتفاءل ، عن شيء يجعلنا نعيد الأمل في نفوسنا ، لم نجد  سوى ما يدعونا إلى القلق، فالواقائع على الأرض تجعلنا في حيرة من أمرنا ،هل بالفعل نحن نسير إلى الأمام؟ أم أنّنا نتراجع إلى الوراء ؟

لا يمرّ يوم على المغاربة إلاّ ويستيقظون  على وقع الكوارث التي لا تنتهي آخرها كارثة قطارات “الخليع “التي أزهقت أرواح  الأبرياء  وسط صمت مطبق من طرف  الجهات المسؤولة، باستثناء أسطوّانة  الدّفن التي يُلوّحون بها ،وكذلك مصاريف العزاء. 
هل  نحن شعب نستحقّ الحياة أم أنّنا نستحقّ فقط أن نموت لكي يتكرّم علينا ساستنا بمصاريف الكفن لتُوارى سوءاتنا تحت التُّراب ؟

ونحن نرى مشاهد العائلات المكلومة التي فقدت أبناءها أمام استهتار   بحياة المواطنين نقول لا داعي للتفاؤل لأن القادم  سيكون أسوء .

سيطلقون بعد الحادث المأساوي أسطوانات التحقيقات، سيفتحون تحقيقات كالعادة ،وسيكون مصيرها النسيان وفي أحسن الأحوال قد يحملون المسؤولية للضحايا .
التّحقيق  في الحادث المأساوي سيذهب إلى أبعد مدى ولن يعود ،ولن تسمع به مرّة أخرى، لأنّه ليست هذه هي المرّة الأولى التي تُفتح فيها التّحقيقات في حوادث كان فيها المواطن المغربي المغلوب على أمره هو الضّحية.
 الحوادث تتكرّر والضّحايا في ازدياد مستمر، ومنطق المحاسبة غير حاضر تماما .
ربط المسؤولية بالمحاسبة وجدوا لها مكانا في النظام الدستوري المغربي وكذلك في خطابات أحزابهم التي طالما تتشدق بهذا المبدأ، بينما في الواقع لا نجد له أثرا باستثناء مظاهر  شرعنة الفساد والتستر عليه تحت شعار “لا صوت يعلو فوق صوت الفساد “
الأمر المحزن حقّاً أمام هذا الوضع الكارثي الذي يتخبّط فيه الشّعب المغربي، وأمام الأزمات  التي يمرّ منها ،نرى توجُّهاً آخر يسبح عكس التيّار 
في الوقت الذي ينخر فيه الفساد وطناً بأكمله، وفي الوقت الذي يموت فيه الفقراء من أبناء الشّعب  بلا أدنى التفاتة تجد من يتلاعب بمشاعر المواطنين فيعلن عن الزيادة في الدّعم المخصّص للأحزاب السيّاسية التي لا تفتح دكاكينها إلاّ موسميّاً لبيع الوهم للمغاربة. 

لا نعلم لماذا يتمّ التّفكير دائماً في السًاسة وفي مصالحهم  ،ويتمّ في المقابل تجاهل الشّعب ، ومع ذلك يُعلنون أنّ السّلطة في يد الشّعب وأنّه  صاحب الكلمة الأولى والأخيرة  ،في صورة مأساوية تظهر ضحك هؤلاء على الذقون.

 قد تكون الأحزاب السيّاسية بالنّسبة لهم أفضل بكثيرٍ من أرواح الموّاطنين التي تُزهق بسبب التّقصير، وقد يكون دعمها أفضل من دعم  البنية التّحتية المهترئة التي تعيدنا إلى زمن العصور الوسطى.

من يصدق أنّ المستوى المعيشي للمغاربة يعادل حاليا نظيره لدى الفرنسيين في عام 1950، ولدى الإيطاليين في 1955، والإسبان في 1960، والبرتغاليين في 1965 حسب دراسة جديدة نشرها البنك الدولي .

 طبعا من يقول هذا الكلام اليوم سيُتّهم بشتى الأصناف، وسيصنّف ضمن خانة من يثير الفتنة  التي أرادوا لها أن تبقى نائمة  .

لا داعي للتّفاؤل في دولة لا تُعير اهتماماً لمواطنيها أحياءً كانوا أو أمواتاً، فكيف تسمح الدّولة لنفسها أن يموت العشرات بتقصير منها،  دون أن تُخصّص ولو خبراً في قنواتها الإعدامية التي يبدو أن قد تخصّصت في نقل تحرّكات السّاسة واحتفالاتهم؟

انقلب القطار ،مات العشرات من الأبرياء قضاء وقدر كل هذا صحيح ،كلّنا نؤمن بالقضاء والقدر ، كما نؤمن أنّ الأعمار بيد الله ،لكن هناك أيضا  تقصيراً من الجهات المعنية  التي يبدو أنّ المال لديها أفضل من حياة المواطنين .

 لا داعي للتّفاؤل في وطن صنع منّا وحوشاً آدمية نتحيّن الفرص للانتقام من بعضنا البعض ونستغلّ الفرص  من أجل السّرقة والنّهب لنتجرّد من الإنسانية تماماً كما حدث مع شعبنا الأبي الذي وجد فرصة سانحة أثناء انحراف القطار عن  السّكّة فوجد في الحادث فرصةً لنهب أغراض الضّحايا والمصابين، هم أرادوا لنا ذلك ،صنعونا لنأكل بعضنا البعض، وهم الآن في وضع مُريح يتفرّجون على مآسينا من أبراجهم العاجية.

في الدول الدّيمقراطية التي تحترم نفسها لا تمرّ مثل هذه الحوادث مرور الكرام أو مرور “الكيران” كما نقول، فلو حدث في أوربا مثلا أو في أمريكا لاستقال الجميع ولاعتذروا لشعبهم ولربّما تم تقديمهم  للمحاكمة  ولكن لا حياة لمن تنادي.

 .
جرائم قتل أبناء الشّعب بدم بارد لا تكاد تنتهي ومحاسبة المتورّطين غالبا ما يتم  تجاهله، فماذا يعني الحديث عن  تعويض ضحايا الحادث دون تقديم المسؤولين عنه إلى المحاكمة ليكونوا عبرة لكل من يستهتر بأرواح المغاربة ؟

لا داعي للتفاؤل عزيزي القارئ فالوطن يحتضر والجراح لم تعد قابلة للالتئام وما على الساسة سوى أن يخفضوا أصواتهم المزعجة وليتوقفوا عن خطب  الوطنية  التي يلقونها على مسامع أبناء الشعب.



 رحم الله ضحايا الحادث المأساوي وأسكنهم فسيح جناته.

0 تعليق على موضوع "لا داعي للتّفاؤل… الوطن يحتضر"


الإبتساماتإخفاء