استقبال كندا للاجئين السوريين درس قاسٍ للأنظمة

الكاتب بتاريخ
استقبال كندا للاجئين السوريين درس  قاسٍ  للأنظمة الديكتاتورية  .
رشيد أخريبيش
مهما بحثنا عن كلمات شكر في حق دولة كندا، لن نجد كلمات تستوفي حق هذه الدولة التي خرج شعبها وحكامها لاستقبال  اللاجئين بصدور رحبة، وقدموا لهم يد المساعدة بعد ما رفضت استقبالهم دول طالما ادعت أنها حامية للإسلام ، فكندا التي يحلو للبعض وصفها
بالكافرة أعطت لحكامنا دروسا لا تنسى في الإنسانية، بعدما قررت أن تستقبل هؤلاء اللاجئين ولسان حالها يقول  أيها السوريون ادخلوا أرضنا آمنين مطمئنين ،كلوا واشربوا هنيئا بوصولكم إلى أرض "الكفر"، وتذكروا أننا سعداء بكم وبأبنائكم حتى لو كنتم مسلمين ،فكندا لن تنظر إلى ديانتكم ولا إلى انتماءاتكم فطوبى لكم ولأبنائكم ولحكامكم سوء الحساب  .
ما فعلته كندا تجاه اللاجئين يستحق الإشادة ويستحق التصفيق بحرارة، خاصة بعد أن تخاذل الإخوة وبعد أن صمت الأصدقاء عن أزمة اللاجئين ،وبعد أن تقاعس سدنة الدين من العرب عن مساعدة إخوانهم في الدين ليتسابق "الكفار" عن نجدتهم وتقديم يد العون لهم، واستقبالهم استقبال الأبطال .
ما قامت به كندا وما قامت به جل الدول الأوروبية تجاه اللاجئين، لا تستطيع دولة عربية القيام به بالرغم من شعارات العروبة الفارغ، وبالرغم من كل المسرحيات التي طالما صدعوا بها رؤوس الشعوب المظلومة ،وما قاله رئيس وزراء كندا جاستن ترودو،  في حق اللاجئين   لا يمكن لأي زعيم عربي أن يقوله ، ولا يمكن لأي حاكم أن ينطق به، لأن حكامنا أظهرت الأيام أنهم مجرد ثلة من الانتهازيين الذين لا تهمهم مصلحة الشعوب، بقدر ما تهمهم كراسيهم التي لا يغادرونها إلا بإحدى الحسنيين ،إما موت محقق من عند الله، أو ثورة شعبية تزلزل الأرض من تحت أقدامهم .
الدول الغربية وإن كانت لديها أطماع في بلادنا، إلى أننا غالبا ما نجدها أكثر إنسانية،خاصة عندما يتعلق الأمر بأزمة تمس الإنسان، بغض النظر عن دينه أو لونه كما يفعل المسلمون الآن ،صراعات طائفية قسمت الشعوب إلى ملل ونحل تتقاتل فيما بينها، وحروب أعادت بها إلى العصور الأولى.
إذا كان ما قامت به كندا من الأشياء التي تثلج الصدر فإنه سيبقى أيضا وصمة عار في جبين الحكومات العربية وخاصة الخليجية التي لها من الخيرات ما يكفي لاستقبال اللاجئين، الذين يعانون في بلادهم بسبب حرب كانت دول الخليج طرفا أساسيا فيها ،بل وسيذكر التاريخ أن هذه الدول لم تفتح أراضيها ولو للاجئ واحد من هؤلاء الذين غادروا بلادهم مكرهين.
دول الخليج برئاسة المملكة العربية السعودية لم تكلف نفسها حتى  لدراسة ملف اللاجئين، بل كانت دائما فقط تدعم أمراء الحرب وتذكي الصراع الطائفي بين السوريين، وهذا أكبر دعم قدمته للشعب السوري منذ أن اشتعلت الثورة السورية سنة 2011 .
لا أحد ينكر نظرية المؤامرة التي تستهدف العديد من الدول، ولكن مع ذلك يمكن القول أن الديكتاتوريات العربية غالبا ما تضخم ذلك وتصنع من ذلك فزاعة، فهل استقبال اللاجئين مثلا هو مؤامرة ضد المسلمين؟، وإذا كان ذلك كما يدعون فلماذا لا يستقبلونهم في بلدانهم ويزيلوا عنهم ذلك العار الذي سيبقى في جبينهم إلى يوم الدين.
حتى لو اختلفنا مع الدول الغربية، وحتى لو اتهمها البعض أن لديها  نية توسعية في المنطقة، إلا أننا مع ذلك نكن لها كل الإحترام والتقدير على ما قامت به تجاه أزمة اللاجئين السوريين،في الوقت الذي تنكرت لهم جل الدول التي كنا نعتقد أنها ستستقبلهم بالورود وتنمح لهم الإقامة نظرا لرابطة الدين التي تجمع هؤلاء اللاجئين مع تلك الدول .
في الوقت الذي يخرج زعماء الغرب ليعلنوا أن أرضهم مفتوحة للاجئين، نجد دولنا غارقة في دعم الحرب في أكثر من نقطة في العالم العربي، وفي دول المغرب الكبير، فسوريا التي تنكروا لها الآن لهم اليد الكبرى في تمزيقها عبر دعم الجماعات المسلحة الموالية لها، والتي تدين بفكرها الوهابي، الذي يخدم حكام القصور من دول البترودولار الذين يريدون البقاء في السلطة إلى أجل غير مسمى.
لو كانت الدول العربية وخاصة دول الخليج بالفعل تقف إلى جنب الشعوب كما تدعي لكانت قد استقبلت اللاجئين ولو كانت تحمل ذرة من الإنسانية لما تركت ملف اللاجئين في يد من ينعتونهم "بالكفر والضلال" الذين أظهروا أنهم أكثر   إنسانية من هؤلاء العرب الذين طالما يصفونهم "بالمغضوب عليهم"
شكرا لكندا التي أثلجت صدور كل المسلمين عربا كانوا  أو أمازيغا، وشكرا لرئيس وزرائها الذي أبان عن موقف بطولي سيدخل به التاريخ من أوسع أبوابه ،وشكرا لأوروبا التي أعطت دروسا في الإنسانية لدول الخليج التي لا تتقن سوى لغة إشعال الفتن بين الشعوب، والتي أدخلت دولا في حرب طاحنة تحصد اليابس والأخضر.

0 تعليق على موضوع "استقبال كندا للاجئين السوريين درس قاسٍ للأنظمة"