الكاتب رشيد أخريبيش: هنيئا للشعب التونسي الشقيق

رشيد أخريبيش

الشعب التونسي كان أول من أشعل ثورات الربيع الديمقراطي التي انطلقت في العديد من الدول، وكان أول من حافظ عليها وأوصلها إلى بر الأمان، خاصة بعد انتخاب رئيس شرعي للبلاد ، فالشعب التونسي نجح في ثورته في الوقت الذي فشلت فيه كل دول الربيع الديمقراطي ، وهذا انجاز كبير يستحق عليه هذا الشعب كل التقدير والاحترام. 

الباجي قائد السبسي فاز على منافسه السيد المرزوقي وأصبح رئيسا لتونس بالرغم من بعض الانتقادات الموجهة إليه ،باعتباره ينتمي إلى النظام السابق الذي عاد في ثوب جديد على حد تعبير من يوجه هذه الانتقادات ، لكن أيا كانت الانتقادات فالرجل جاءت به صناديق الاقتراع، وليس لأحد أن يشكك في نزاهته لأن الشعب الذي ثار ضد الفساد والمفسدين هو من اختار الرجل وهو القادر على إزاحته إذا لم يستطع أن يقود تونس في المرحلة المقبلة عبر الانتخابات طبعا.

منصف المرزوقي رجل يستحق الفوز كذلك، كيف لا وهو الذي كان دائما يقف في وجه الطغاة الذين عاثوا في أرض تونس فسادا ، لكن الشعب قال كلمته وعلى الجميع أن يحترم إرادته ، فإذا كان الشعب التونسي قد اختار القائد السبسي رئيسا له عبر انتخابات نزيهة، ليكون أول رئيس تونسي يتم اختياره مباشرة من الشعب، فإن ذلك لا يعني أن الشعب التونسي رفض التصويت للسيد المرزوقي ، بل على العكس من ذلك فنتائج الانتخابات أظهرت أن السبسي مرشح حزب "نداء تونس" فاز بنسبة ,6855 مقابل 44 ,32 للسيد المرزوقي الرئيس المنتهية ولايته ما يعني أن للمرزوقي مكانة لدى أنصاره من الذين كانوا يتمنون أن يصل إلى قصر قرطاج في أول انتخابات ديمقراطية شهد العالم على نزاهتها ، لكن هذه هي قواعد اللعبة كما قال المرزوقي في كلمته التي هنأ فيها قائد السبسي والتي وجهها إلى أنصاره في الجنوب الذي يعرف الآن مظاهرات عدة بسبب نتيجة الانتخابات .

إذا كان الشعب التونسي قد وضع ثقته في الرئيس الجديد ، فإن العديد من التحديات تنتظر الرجل أيضا، أهمها ملف الإرهاب وتحقيق الاستقرار ، ثم مشكل البطالة التي أصبحت تؤرق الشباب التونسي ،لذلك عليه البحث عن السبل التي يمكن من خلالها إخراج تونس من الأزمة وإعادة الحياة للدولة التونسية التي أنهكتها أيادي الفساد على مر عقود من الزمن .

فإذا كان الرئيس الجديد قد وجهت له انتقادات بسبب سنه المتقدم فإن الرجل يملك تجربة سياسية محترمة أيضا ، وتاريخا طويلا ربما يكون لصالح تونس الآن خصوصا وأن تونس ما تزال في بداية الطريق ، وتواجهها تحديات جمة ولقائد السبسي فضل على تونس بعد الثورة عندما كان رئيسا للوزراء، حيث استطاع أن يقود البلاد إلى بر الأمان عبر تنظيم انتخابات مؤقتة كان لها الفضل في الوصول إلى ما وصلت إليه الآن تونس من تجربة رائدة في الديمقراطية مقارنة بالعديد من الدول العربية ودول المغرب الكبير التي ما تزال ترزح تحت ديكتاتوريات أهلكت الحرث والنسل .

مخطئ من يعتقد أن النظام الجديد سيكرس التسلط والديكتاتورية، ومخطئ من يعتقد أن الطغاة سيطأون بأقدامهم أرض تونس مرة أخرى ، لأن الشعب التونسي أكبر من أن يتم استعباده مرة أخرى ، خاصة بعد نجاح هذه الثورة التي أعادت الكرامة للشعب ومكنته من التعبير عن إرادته الحرة .

تحية للشعب التونسي الذي أظهر حرصه على الديمقراطية ، وتحية له على سلوكه الحضاري الذي استطاع من خلاله إنجاح ثورته المجيدة والوصول بها إلى هذه المرحلة المتقدمة ، وهنيئا له بعهد جديد نتمنى أن يقطع به مع الماضي المآساوي ويحقق كل أحلامه التي من أجلها ثار على الطغاة .