أيها الأصدقاء غزة لن تنتصر بتغيير صور البروفايلات على الفايس بوك

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0


رشيد أخريبيش
بعد الحملة المسعورة التي يشنها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة ، هذه الأيام ، وبعد الوحشية المقيتة التي لا يتوانى جيش الاحتلال في استعمالها ضد المدنيين من أبناء القطاع ، إرتأت الشعوب العربية والإسلامية أن تدعم أبناء القطاع وتتضامن معهم بالغالي والنفيس لمساعدتهم في محنتهم هذه ، فقررت شعوب هذه الدول أن تغيرصور بروفايلاتها على الفيس بوك بصور غزة الجريحة ، في اعتقاد منها أنها قد حققت الانتصار على إسرائيل التي تملك أكبر جيش في الشرق الأوسط .

توصلت بالعديد من الرسائل عبر الفيس البوك من الأصدقاء كلها تحثني على تغيير صورتي على الفيس بوك ، وذلك تضامنا مع غزة التي يشن عليها جيش الاحتلال حربا مدمرة لا تستثني أحدا ، وكنت دائما أشكر هؤلاء وأعلن تضامني مع غزة واستنكر تلك الوحشية التي طالما تتعامل بها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة، وفي غيرها من ربوع فلسطين المحتلة ، لكن كنت دائما أطرح عليهم سؤالا هو كالتالي ما قيمة ذلك التضامن إذا كانت مثل هذه الإجراءات لا تستطيع أن تغيير شئيا من الخارطة خاصة، وأن الاحتلال مستمر بإمطار غزة بكل بأنواع الأسلحة المدمرة ؟ وما قيمة تغيير صور البروفايلات على الفيس بوك إذا كانت هذه الشعوب لا تستطيع أن تتخذ موقفا شجاعا ضد حكوماتها وإرغامها على اتخاذ مواقف ايجابية تجاه القضية الفلسطينية ؟
من يرى تلك الحملات الداعية إلى تغيير صور الفيس بوك واستبدالها بصور غزة ، سيعتقد أن الفيس بوك هو سلاح فتاك قادر على أن يرد العدو على أعقابه منهزما في غزة ، وسيعتقد أن الفيس بوك هو القادر على تحرير الأقصى من كيد الأعداء ، ويحقق للمسلمين ذلك الحلم المؤجل الذي طالما انتظروه على أحر من الجمر ، لكن الحقيقة أن الفيس بوك لا يعدو أن يكون مجرد موقع اجتماعي في عالم افتراضي لا يستطيع أن يحقق آمال هذه الشعوب التي انتفضت افتراضيا على شبكات التواصل الإجتماعي ، ولن يستطيع وقف جرائم الاحتلال التي تتواصل صباح مساء
ما يتم الإقدام عليه هذه الأيام من تغيير صور الفيس بوك بصور غزة ، وما تلاه من أصوات تنادي بالحرية لأبناء القطاع والتي تندد بجرائم الاحتلال، هو عربون تأكيد على أن الأمة الإسلامية عاجزة عن اتخاذ ما يلزم تجاه ما يقع في غزة الآن ، بل عاجزة حتى عن الحديث عن إسرائيل هذه بسوء ، فيبقى الحل الوحيد لديها هو التعبير عن سخطها من وراء هذه المواقع التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، والتي تظهر من حين لآخر مدى تشبث هذه الأمة بالأوهام التي لا تنتهي.
شعوب العالم العربي ودول المغرب الكبير التي خرجت توا من ثورات الربيع الديمقراطي، التي لم يكتب لها أن تنجح في العديد من الدول بسبب تلك المؤامرات التي حيكت ضدها من طرف دول الخليج التي تحكمها أنظمة ديكتاتورية لا تريد لشمس الديمقراطية أن تسطع ، والتي كان الفيسبوك أبرز الوسائل التي تم استعمالها من طرف الحركات الاحتجاجية لتحقيق ما كانت تصبو إليه ، هذه الشعوب ما تزال تفكر بنفس المنطق الذي كان سائدا مع انطلاق الثورات ، فإذا كان الفيس بوك قد استطاع تنظيم جهود تلك الشعوب التي كانت تعاني من بطش الديكتاتوريات البغيضة وأسقطت بعض الأصنام الذين جثموا على صدورها لعقود من الزمن ، فإنه لن يستطيع أن يؤثر ولو بشكل قليل فيما يجري على أرض غزة ، لأن الأمر يتعلق باحتلال مدعوم من طرف الدول الغربية ومن طرف بعض الديكتاتوريات العربية ، لذلك سيكون من الصعب جدا أن نجد للفيسبوك وللشبكات الإجتماعية الأخرى تأثيرا على مجريات الأحداث، اللهم إذا كان العويل وشعارات النصر الوهمية التي تعودت شعوبنا دوما على رفعها .
المجتمع العربي و الإسلامي لا تتحرك مشاعره تجاه فلسطين والقدس إلا عندما تقرر الطائرات الإسرائيلية شن حربها على الفلسطينيين ، بينما الاحتلال الإسرائيلي قديم جدا بدأ منذ سنة 1947 عندما أصدرت الأمم المتحدة قرارا يقضي بتقسيم فلسطين ، فالدول العربية والإسلامية أنظمة وشعوبا منذ ذلك الحين لم تستطع أن تخرج برؤية قادرة على إنهاء ذلك الإحتلال الصهيوني لفلسطين ، بل كل مخططات هذه الدول التي كانت ترمي من ورائها إلى تحرير القدس وفلسطين بشكل عام فشلت بدون منازع ، ومن منا لا يتذكر منظمة المؤتمر الإسلامي التي تأسست في عام 1969 بعد إحراق المسجد الأقصى والتي أصبح إسمها منظمة التعاون الإسلامي ، حيث كان من بين أهدافها هو تحرير القدس من قبضة الاحتلال ، لكن مع ذلك فلم تفلح هذه المنظمة في كل ما كانت تطمح إليه فبقي الحال على ما هو عليه إلى حدود الآن ، فلا القدس قد تحر ر ولا الاحتلال قد توقف عن جرائمه البشعة في حق الفلسطينيين ، لتبقى كل المبادرات التي تصدر من الجانب العربي والإسلامي كلها مبادرات قاصرة لا تستطيع أن تغيير شيئا من الواقع الفلسطيني .
غزة لا تحتاج من شعوب العالم الإسلامي بأن تغير صور البروفايلات على الفيس بوك ولا أن تناشد العالم الغربي بأن يوقف الغارات التي يشنها جيش الاحتلال ، لأن هذا العالم هو شريك أساسي في تلك الحرب ، فغزة تحتاج إلى مواقف بطولية من طرف الشعوب للضغط على الحكومات وعلى الأنظمة التي تحكمها والتي أبانت عن خذلانها وعن تفريطها في قضايا الأمة المصيرية ، وإرغامها على مواجهة الاحتلال ولو بكلمة تدين جرائمه في حق الفلسطينيين ، لأن أصوات هؤلاء أصبحت من صوتها تخاف ، بل لا نغامر إذا قلنا أن هذه الأنظمة أصبحت لا تخطو خطوة إلا باستشارة إسرائيل التي تقتل الأطفال وتقدمهم للمسلمين كـأكباش فداء في شهر رمضان الأبرك .
أبناء غزة يحتاجون منكم أن تدعموهم بالمال وبالسلاح وبالأدوية وبفتح المعابر والأنفاق ، وبمواقفكم تجاه هذا العدو ، أما تغيير البروفايلات ، والإبداع في صور الشهداء عبر الفوتوشوب وملء صفحات مواقع التواصل الإجتماعية بمعاناة أهل غزة فلا نعتقد أنه يمكن أن يعود بالنفع على أهل القطاع ولن يوقف ألة القمع الإسرائيلية عن ارتكاب مجازرها في حق أبناء غزة .

0 تعليق على موضوع "أيها الأصدقاء غزة لن تنتصر بتغيير صور البروفايلات على الفايس بوك"


الإبتساماتإخفاء