حكومة تسر الناظرين

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0


بقلم رشيد أخريبيش
ما وقع في الرباط من تدخل عنيف ومن اعتقالات في حق الأساتذة المحتجين، يؤكد مجددا ديكتاتورية الحكومة في معالجة الملفات العالقة ونهجها المقاربة الأمنية في حل المشاكل التي تواجهها، عبر قمع الحريات ومنع التظاهر الذي يكفله الدستور الذي جاء ليخلص الشعب من الديكتاتورية ومن سنوات الذل والهوان التي كنا نظن أن نهايتها أقرب إلينا بعد طول انتظار، لنفاجأ أن من صنعناه بأيدينا ومن وضعنا ثقتنا فيه أصبح ديكتاتورا بالوكالة يستبيح أعراض المواطنين ويزج بهم في غياهب السجون معلنا أنه قد حقق الانتصار.
عندما أعود إلى دستور 2011 وأقرأ الفصل 29 منه والذي يؤكد على أن حرية الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي مضمونة وأن حق الإضراب مضمون، أصاب بالدهشة خاصة وأننا نعيش مفارقة عجيبة بين فصول هذه الوثيقة الدستورية التي تهافت المغاربة للتصويت عليها وبين الواقع الذي يسوده القمع والاعتقالات التعسفية، التي تطال كل من سولت له نفسه أن يرفع شعارا يخالف السياسات اللامسؤولة للحكومة التي عاثت في المغرب فسادا بعد أن أغلقت أبواب الحوار واتبعت نهج أسلافها الميامين الذين مازالت بصمات إصلاحاتهم المزيفة ظاهرة للعيان .


الآن لم يعد لدى الحكومة ما تبرر به انضمامها إلى المخزن والعمل بالعودة بنا مرة أخرى إلى سنوات الرصاص، ولم يعد لديها ما تخفيه من أنها ذاهبة نحو تحقيق الدولة البوليسية التي تتحكم في المجتمع من كل النواحي، فإذا كانت الحكومة النسخة الثانية تعتبر نفسها زورا وبهتانا أنها في طريق بناء مغرب الديمقراطية والعدالة، فإنها تضحك على الذقون وتحاول إخفاء الشمس بالغربال، أملا في خداع الشعب مرة أخرى ، فكيف يستطيع المغاربة فهم عهد الإصلاح والتغيير وأبنائهم يعتقلون وتنتهك أعراضهم على المباشر، ليس لشيء سوى لأنهم خرجوا عن صمتهم وأعلنوا عن مطالبهم المشروعة، التي يبدو أن الحكومة ليست على استعداد حتى للخوض فيها .
ربما الحكومة لا تعي جيدا دروس الربيع الديمقراطي الذي أوصلها إلى سدة الحكومة، ولا تفهم أن المقاربة الأمنية لم تعد تجدي نفعا بعد رياح الربيع الديمقراطي ، التي جاءت لتنير فكر الشعوب التي تعيش تحت وطأة الأنظمة المستبدة ، فالحكومة ما تزال تفكر بمنطق أن لديها شرعية في الشارع ،وأنها قادرة على العودة مرة أخرى إلى الصدارة لكنها تجاهلت أن ظرفية وصولها إلى سدة الحكومة كانت استثنائية ،وأن الظروف قد تغيرت الآن بعد أن تجاهلت مطالب الشعب واستسلمت للفساد ، بل لا نبالغ إن قلنا بأنها أصبحت شريكة في الفساد وحامية للمفسدين أكبر من سابقاتها .
محاولات التركيع تلك التي تنهجها الحكومة لم تعد ناجعة أو بالأحرى لم تعد قادرة على الصمود بعد أن تيقن الشعب أن حقوقه ليست منة من أحد يتصدق بها عليه، أو هبة يهبها أصحاب الكراسي له متى شاءوا ،بل هي حقوق تستحق انتزاعها بكل ما أوتي من قوة دون الاستسلام لحماة الديكتاتورية الذين يعتبرون كل صيحة عليهم ، حيث يسارعون إلى التصدي لكل الآراء التي تخالف هواهم المعوج الذي تطبعه المصالح الشخصية لمن حملوا على عاتقهم أمانة الإصلاح والتغيير.
حكومتنا الغراء التي عملت منذ توليها مسؤولية تركيع الشعب المغربي لم نعد نسمع منها كلاما عن الإصلاحات ولا عن الديمقراطية، بل حتى رئيسها صاحب الفخامة في التهريج والذي دأب على رفع شعارات العدالة والذي وعد الشعب بحرب على الفساد ،هو الآخر لا نكاد نجد له صوتا بعد أن ركب سفينة التماسيح والعفاريت ،الذين نجحوا في استقطاب الرجل وإرغامه على تذوق حلاوة الكرسي ، و الذي يتمنى ألا تزول قدماه منه إلا بإحدى الحسنيين.
حكومة العجائب هذه ذكرتني بقصة طريفة ظريفة وفي نفس الوقت حزينة أبطالها ليسوا بشرا وإنما حيوانات حيث يحكى أن صيادا كان في الغابة يصطاد الغزلان، ومعه كلبه الامين الذي لا يعصي له أمرا ، مدرب على أحسن وجه، سريع بما فيه الكفاية ، فبينما الكلب يتحسس بأنفه في الأشجار فإذا بالغزال يقفز بسرعة ، ويسرع الكلب إلى مطاردته فبما أن الغزال كان يرى أن أمامه اختياران لا ثالث لهما إما الموت أو الحياة، فإنه استجمع كل القوة واستمر في الهرب حتى أنهك ذلك الكلب وأدار إليه رأسه وقال له مخاطبا إياه كف عن مطاردتي فمهما حاولت فلن تستطيع الإمساك بي، فقال له الكلب ولماذا فقال الغزال أنا أركض لنفسي وأحاول الانتصار لعمري أما أنت فتركض من أجل غيرك أيها البطل .
ربما هذه القصة تصلح لأن تنطبق على من ارتضى لنفسه الانتقام من الشعب المغربي وقرر لعب دور المنفذ لما يملى عنه من الأبراج العاجية ، عبر سياسات عشوائية فرضها صناع القرار من المفسدين الذين ما يزالون يتحكون في البلاد والعباد، والذين يظنون أن المغاربة على استعداد أن يقبلوا مرة أخرى بتلك المسرحيات المفبركة التي جاء بها رئيس الحكومة واستطاع من خلالها توهيم الشعب.
يجب على الحكومة التي تجعل من الزروطة الحل الوحيد لمعالجة المشاكل، أن تعرف جيدا أن سياسة القوة لن تستطيع ايقاف الغزال ، وأن القمع لن يعيد به إلى حضن من أراد اصطياده ، بل على العكس من ذلك فكل هذه المقاربات هي مقاربات فاشلة لن تثنيه عن استكمال مسيرته نحو التخلص من الفساد والمفسدين وإعلان الانتصار على الاستبداد مهما كلفه ذلك من تضحيات .

0 تعليق على موضوع "حكومة تسر الناظرين"


الإبتساماتإخفاء