تعيين الحكومة وإعفاؤها في ظل الدستور المراجع ل 1996 و الدستور الناسخ لسنة 2011

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0



رشيد أخريبيش

من سمات النظام المغربي عبر التاريخ ثنائية السلطة التنفيذية والتي يمارسها كل من رئيس الدولة ( الملك ) ورئيس الحكومة، حيث يتم تعيين هذا الأخير بمقتضى الدستور بواسطة ظهير ما يعني أنه يعطي لشخص الملك المنزلة الرفيعة مقارنة مع باقي المؤسسات والسلطات الأخرى ، ومن هنا يمكن تحديد العلاقة القانونية التي تجمع الملك بالحكومة عبر رئيسها وباقي الأعضاء الآخرين وما قد يترتب عن هذه العلاقة من إعفاء أو إقالة ، خاصة وأن الوضعية القانونية للحكومة هي وضعية ثنائية ومن هنا سنحاول قدر الإمكان الإجابة على بعض الأسئلة التي سنطرحها أملا في الخروج برؤية واضحة تبين بجلاء الثابث والمتغير فيما يخص تعيين الحكومة وإعفاؤها ، فهذه الوضعية تطرح العديد من الأسئلة من قبيل كيف يتم تعيين الحكومة ، وكيف يتم تعيينها أو إقالتها كل ذلك طبعا حسب ما جاءت به مقتضيات كل من دستور 1996 و
2011.
لاشك أنه من الثابت دستوريا أن مسألة تنصيب الحكومة بالمغرب هو ثنائي بشكل عام ، خاصة وأن تعيين الحكومة يتم من طرف الملك ابتداء وتنصيبها من طرف مجلس النواب إنتهاء مرورا بأداء القسم أمام الملك بالنسبة لأعضاء الحكومة رئيسا ووزراء ، فبعض النظر عن تلك الزوبعة التي أثارتها مسألة تنصيب الحكومة بعد تشكيل حكومة بنكيران النسخة الثانية حيث ذهب البعض إلى اعتبار أن الحكومة لا تعتبر منصبة إلا بعد حصولها على ثقة البرلمان المعبر عنها بالتصويت بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس لصالح البرنامج الحكومي. فلا داعي للخوض في إلزامية أو عدم إلزامية التنصيب في مثل هذه الحالة ما دام أن الفقه الدستوري قد حسم في المسألة وقضى بأن الحكومة دستورية لا تحتاج إلا تنصيب ما دام أنها لم تغير من برنامجها ولم يستقيل رئيسها وإن كان ذلك فيه من النواقص ما يستدعي الأخذ والرد ، لكن هذا لا يعنينا مادام أننا بصدد الإجابة عن بعض الأسئلة التي سبق أن طرحناها والمتعلقة بتعيين الحكومة ،استقالتها ،و إعفاؤها .
من الملاحظ جدا أنه في دستور 1996 أن الملك كان يعين الوزير الأول من يراه أهلا لتحمل المسؤولية ،وذلك في الفصل 24 "يعين الملك الوزير الأول ، ويعين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول " حيث أعطى المجال للملك بأن يختاره حسب إرادته دون أن يكون من الحزب الفائز في الانتخابات كما هو الشأن في دستور 2011  من خلال الفصل 47 الذي يلزم الملك بتعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساسها ، غير أنه بالرغم من ذلك فالدستور لم يبين صراحة كيف يتم اختيار رئيس الحكومة ، هل الأمر يتعلق بالأمين العام للحزب ، أم عضوا من أعضاءه ، أم أن الحزب الذي تصدر الانتخابات يتم باقتراح شخصية أو أكثر على الملك ، وهذا ما يبين غموض هذا الدستور وعدم إجابته على مثل هذه الأسئلة التي تعد أساسية لفهم المسار الدستوري لتعيين الحكومة ، أما على مستوى تعيين باقي أعضاء الحكومة فإن الأمر قد بقي على حاله دون أي تغيير فإذا كان الملك في دستور 1996 يعين أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول فإنه نفس الشيء بالنسبة لدستور 2011 يتم تعيينهم من طرف الملك بعد اقتراح من رئيس الحكومة ، إلا أن الواقع من خلال الدستور الجديد أنه لم يشر إلى الحل الواجب اتباعه في حالة نشوب خلاف بين الملك ورئيس الحكومة بخصوص إقتراح وتعيين الوزراء عكس ماكان معمولا به في دستور 1996 بناء على الفصل 19 وبناء على الفقرة الأولى والرابعة من الفصل 24 حيث كان بإمكان الملك أن ينهي مهمة الوزير الأول المعين وهو ما يزال في بداية الطريق ومن ثم تعيين أخر محله ليتولى وضع رغبة الملك موضع التطبيق .
بعد أن يتم تعيين الحكومة كرست الممارسة الدستورية أن يتم أداء القسم باعتبار ذلك عرفا دستوريا مما يجعل هذه الحكومة من الناحية القانونية حكومة تصريف الأعمال ، لكن هناك سؤال يطرح هو كالتالي كيف يتم الاعتراف بوجود حكومة قانونية يمكن أن تنسلخ عن هذا الاختصاص ضمن المراحل الانتقالية ، لتكون من الناحية الدستورية حكومة قادرة على أن تمارس صلاحياتها الدستورية ؟
بعد التعيين الملكي للحكومة مباشرة وأداء القسم ، تكون للبرلمان مرحلة الحسم النهائي للإعلان عن حكومة قائمة بذاتها تستطيع ممارسة صلاحياتها الدستورية بالكامل ، فلم يقع أي تغيير في مسألة تنصيب الحكومة بالنسبة لمقتضيات كل من الدستور المراجع والدستور الناسخ لسنة 2011 ، فالوزير السابق والذي أخذ صفة رئيس الحكومة حاليا ، بعد التعيين وإكتمال التشكيلة الحكومية يتقدم إلى البرلمان بمجلسيه لعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه ويضم الخطوط العريضة التي تنوي الحكومة تطبيقه كما هو محدد في الفصل 88 من الدستور الجديد " بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة ، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه ، ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به في مختلف مجالات النشاط الوطني وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية"   وكما كان عليه الحال في الفصل 60 من دستور 1996 على أن يعقب هذا النقاش أمام مجلسي البرلمان (مجلس النواب ومجلس المستشارين ) وبعده يتم التصويت من طرف مجلس النواب فقط دون مجلس المستشارين بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس لتكون الحكومة قانونية ولتباشر أعمالها بشكل قانوني ،فتنصيب الحكومة من طرف مجلس النواب يعتبر قيدا على سلطة الملك إلا أنه مع ذلك يجب عدم الإخلال بواجب الاحترام للملك ، حيث لا يمكن المساس بشخص الملك من خلال إبداء الرأي إلا من خلال التصويت أو الرفض .
من مثالب الدستور الجديد أنه أعطى لمجلس النواب صلاحية التصويت على البرنامج الحكومي بمفرده دون مجلس المستشارين بعد أن يتم عرضه على المجلسين وهذا يطرح سؤالا جوهريا حول الجدوى من عرض البرنامج الحكومي على المجلسين إذا كانت صلاحية التصويت لتعود فقط لمجلس النواب دون مجلس المستشارين ؟كما أن الدستور الجديد لم يرتب أي جزاء في حالة عدم حصول البرنامج الحكومي على الأغلبية المطلوبة مقارنة لما كان معمولا به في دستور 1996 الذي كان يربط بين مسألة التصويت على البرنامج ومسألة الثقة ، حيث في حالة عدم التصويت على البرنامج الحكومي يؤدي ذلك إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية .
إذا كان الملك بمقتضى الدستور (1996 و 2011) يعين الحكومة سواء تعلق الأمر برئيسها أو أعضائها باستثناء رئيسها الذي أصبح الملك ملزما بتعيينه من الحزب الفائز كما هو منصوص عليه في دستور 2011 لأنه ينبثق من الحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب فإن مسألة إعفائهم لم تعد للملك وحده ، بل أصبحت لرئيس الحكومة أيضا ، حيث أصبح بإمكانه أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة بعد أن يطلب من الملك ذلك بناءا على استقالتهم الفردية أو الجماعية ، وهذا الطلب يجعلنا أمام خيارين إما أن يقبل الملك أو يرفض ، لكن بالرغم من ذلك كله يبقى رئيس الحكومة يملك هذه الصلاحية الدستورية ، فبعد أن كان للملك في دستور 1996 صلاحية إعفاء الحكومة بمبادرة منه أو بناءا على استقالة جماعية فإن الدستور الجديد قيد الملك نوعا ما ، حيث لم تعد لديه صلاحية إعفاء رئيس الحكومة إلا في الحالة التي يقدم فيها هذا الأخير استقالته والتي يترتب عنها استقالة جماعيا أوتوماتيكيا ما يعني إعفاء جميع الأعضاء من طرف الملك.
خول الدستور للبرلمان أيضا  مجموعة من الوسائل بالإضافة إلى ألية التصويت على البرنامج الحكومي سواء في دستور 1996 الذي كان يخول لكل المجلسين حق تحريك آلية ملتمس الرقابة بمقتضى الفصل 76 77 بعد توفر النصاب القانوني والذي يترتب عنه استقالة الحكومة استقالة جماعية ، أو في دستور 2011 الذي احتفظ فقط لمجلس النواب بتحريك  هذه الآلية للدفع بالحكومة لتقديم استقالتها الجماعية بعد توفر النصاب القانوني لذلك ، بالإضافة إلى ألية سحب الثقة من الحكومة بعد ممارستها لمهامها وفق ما نص عليه الفصل 75 من دستور 1996 وما نص عليه الفصل 103 من الدستور الحالي سحب الثقة لا يكون إلا بالأغلبية المطلقة الذين يتألف منهم مجلس النواب وهو ما يترتب عنه استقالة جماعية
   

0 تعليق على موضوع "تعيين الحكومة وإعفاؤها في ظل الدستور المراجع ل 1996 و الدستور الناسخ لسنة 2011"


الإبتساماتإخفاء