مالي: ديمقراطية تحت الاحتلال

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0


رشيد أخريبيش
كلما غزت الدبابة الغربية بلدا من بلدان العالم الإسلامي إلا وفتح لها المجال لممارسة الديمقراطية المشبوهة، التي تحاول أن توهم الشعوب بأنها في طريق إرساء دعائم الديمقراطية وبناء الشرعية ، لأن الديمقراطية الغربية لا نكاد نجد لها موطنا سوى في أوطاننا العربية والإسلامية ، فالانتخابات وإن كانت تحت الاحتلال فهي الشرعية ، وصناديق الاقتراع التي يشرف عليها الغرب هي الديمقراطية التي لن تجد مثيلا لها ، هكذا فعلت آلة الغزو الغربية في كل من أفغانستان و العراق ثم الصومال ، والآن مع مالي وما أشبه الأمس باليوم حين تتحول الديمقراطية المصطنعة من طرف الاحتلال إلى ضرورة يجب التعامل معها
.
مالي الدولة التي عانت استعمارا بغيضا أرهق قوتها وسحق شعبها وعاث في ثرواتها نهبا ،عادت إلى الواجهة هذه المرة بعد الانتخابات الرئاسية التي تلت عملية التدخل الفرنسي بمساعدة دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إكواس التي دقت طبول الحرب في مالي بلا هوادة ، حيث تعيش هذه الأيام على وقع مسرحيات ديمقراطية ما كان للغرب إلا أن يباركها ويشهد لها بالنزاهة والديمقراطية كما فعل الاتحاد الأوروبي عبر ممثلته كاترين أشتون ، التي اعتبرت ما حدث في مالي يتسم بالصدقية والشفافية ، وكما فعلت أيضا أمريكا صاحبة القاع والباع في إرساء الديمقراطيات المشبوهة عندما أكدت عن استعدادها لاستئناف مساعداتها إلى مالي بعد أن كانت قد علقتها بعد الانقلاب، حيث بررت ذلك بعودة المسار الديمقراطي للدولة المالية.
الرئيس المالي الذي جاء عبر الدبابة الفرنسية والذي مهد له التدخل العسكري الطريق نحو التربع على كرسي الرئاسة لم يكن ليصل إليه لولا حماية القوات الفرنسية التي أشرفت على تنظيم الانتخابات التي لم يشارك فيها كل الفرقاء الماليين ، حيث تم الاكتفاء بمن دعم التدخل الأجنبي ، وبمن يسير في قاطرة الولاء لفرنسا ولمشاريعها التي تهدف إلى تنفيذها على الأرض المالية ، والانتخابات التي تم التأكيد عليها على أنها ضربت مثلا يحتدى به في الديمقراطية والشفافية لم تكن كذلك لأنه مهما حاول الشعب المالي أن يقنع نفسه بأن ما وقع هو الديمقراطية بعينها ، فإنه لن يستطيع لأن الديمقراطية لا تأتي عبر الدبابة ولا عن طريق الاحتلال ، بل الديمقراطية هي من الشعب إلى الشعب بعيدا عن كل يمكن أن يعكر صفوها.
ولأن الفرنسيين عندما دخلوا مالي كانوا قد وضعوا مجموعة من الذرائع لتبرير تدخلهم العسكري ، منها منع سقوط العاصمة باماكو في أيدي الجماعات المسلحة ومساعدة الدولة المالية لتفادي السيناريو الصومالي وهذه مبرراتهم التي لا يأتيها الباطل من بين يديه ولا من خلفه ما دامت ستخدم مشروع فرنسا المتمثل في إعادة ماضيها الاستعماري البغيض الذي فقدته بعد استقلال مالي عنها سنة 1960 ، والحفاظ على مصالحها في منطقة غرب أفريقيا والقضاء على كل المخاطر التي تهددها ، أما الحديث عن أن فرنسا جاءت لمساعدة مالي للقضاء على الإرهاب فهذه مبررات مفضوحة أصبحت من المحال تصديقها في ظل تثبيت الجيش الفرنسي لقواعده في المنطقة إلى آجل غير مسمى.
يمكن القول أن الرواية الفرنسية والمدعومة من كل القوى الدولية الأخرى والمتمثلة في مساعدة الماليين للخروج من أزمتهم عبر الديمقراطية المزيفة ، وعبر صناديق اقتراع تم إضفاء الشرعية عليها لمجرد أن من يشرف عليها هو الغرب ، دون أن تكون تلك الصناديق معبرة عن إرادة الشعب المالي الذي نعتقد أنه الآن بصدد القتال حتى استعادة أرضه المغتصبة ، وإبعاد المحتل الذي عاد ليحن مرة أخرى إلى ماضيه المأساوي ، بلا شك سيعيد مالي مرة أخرى ليس فقط إلى النموذج الصومالي ، بل سيدفع البلد إلى حرب أهلية قد لا نتوقع نتائجها .
فرنسا ربما لا تعي جيدا الوضع المالي ، ولا تدرك حجم الكارثة التي ستسبب فيها هذه الانتخابات الصورية التي جاءت برئيس لا يمثل الشعب المالي ، بل هو رئيس تدخل الغرب وفبرك الانتخابات لصالحه ، والدليل على ذلك الأصوات التي خرجت لتعبر عن رفضها لتلك الانتخابات التي شابها التزوير وهذه الضربة الأولى التي ستوجع الغزاة ، أما المرحلة الحاسمة لجيش الاحتلال الفرنسي والمحك الحقيقي لهذه القوة هي الجماعات المسلحة التي لم تستطع فرنسا ومعها دول التحالف التي دعمتها بالمال والسلاح والجيوش أن تقضي عليها بالإضافة إلى الجماعات المسلحة التي أرهقت كاهل الجيش الفرنسي فإن هناك من يقلق فرنسا أكثر وهو الشعب الأزوادي الذي سبق وأعلن انفصاله عن مالي قبل أن تتدخل الجيوش تحت قيادة فرنسا للسيطرة عليه، لأن فرنسا مهما حاولت أن تقنع هؤلاء بالدخول في هذه الانتخابات فلن تستطيع، وما كلام أحد القادة في حركة أزواد ردا على هذه الانتخابات و الذي وعد بفتح جبهة للقتال ضد الغزاة هو خير دليل على أن مالي مفتوحة أمام كل الخيارات .
الديمقراطية الغربية ظهرت على حقيقتها وتلاشت قواعدها التي بنيت على السيطرة واستعباد الشعوب والرضوخ لها، فما من شأنه أن يضمن مصالحها في الدول وسيطرتها على الثروات فهو ديمقراطي ، ومن يقف ضد المشروع الغربي في بلده فهو غير ديمقراطي وجب القضاء عليه ، ولنا في تجارب العراق وأفغانستان والصومال خير دليل ، ولنا في مصر أم الدنيا المثل الأعلى الذي أظهر كذب هؤلاء وبهتانهم ، وما مالي إلا فصل من فصول تلك المسرحية البئيسة التي عنونها الغرب بإسم الديمقراطية

0 تعليق على موضوع "مالي: ديمقراطية تحت الاحتلال"


الإبتساماتإخفاء