الكاتب رشيد أخريبيش: سمعنا أطعنا ثم متنا

أخريبيش رشيد

أيها المغاربة بعد فراق لن يكون قصيرا وددت لو أنني ترجمت بعضا مما أحس به تجاهكم خاصة وأنني راحل عنكم وددت في نفس الوقت أيضا أن أوجه رسالة شكر لحكومتنا المغربية ولمن توالى على حكمنا وأقول لهم شكرا لكم فهمنا الرسالة وتشبثنا بالوصية ،سمعنا أطعنا ثم متنا فبلغوا سلامنا إلى من كان لموتنا يعترض وقولوا لهم تمهلوا إنكم أسأتم الاختيار فالموت أفضل لنا لو كانوا يعلمون.

إلى المغاربة الأحرار الذين يسري حبهم في عروقنا ، إلى من تقاسمنا معهم الهموم ولحظات الهروب من المجهول ،إلى من عانقناهم عناق الأخوة والمحبة لنقول لهم بما أننا راحلون عنكم فإننا وددنا لو جعلنا بعض الكلمات بمثابة وصايا أحفظوها عن ظهر قلب لعلها تقيكم شر ما عانيناه نحن وأبناءنا قبل رحيلنا عنكم
.

بالرغم من أننا ودعناكم ولم تعد لدينا علاقة بعالمكم وقطعنا الصلة بمن كانوا يمنعوننا من الرحيل إلا أنه مع ذلك لا نخفي شوقنا إليكم وإحساسنا بالألم لفراقكم ،بالرغم من أننا راحلون فقلوبنا معكم وإن كنا في عالمنا لا نملك لكم ضرا ولا نفعا لإخراجكم مما أنتم فيه ،وإن كنا لا نملك سوى هذه الكلمات التي نتمني ألا تسقط في أيادي الغدر من أولئك الذين يكيدون بكم كيدا ويضيقون الخناق عليكم ويتمنون ألا يذهب بكم الموت لتبقى أجسادكم ونفوسكم لذة في أيديهم حيث قطعوا أحلامنا وأحلامكم وحطموا كل ما بنيتموه من أجل بناء أوطان على طريقتهم وعلى أنقاضكم .

أيها المغاربة فيما مضى قبل أن نختار رحلة الموت بدون رجعة ،وبعد أن كنا نتمنى يوما نحمل فيه على الأعناق لننتقل إلى ظلمة القبر التي كانت بالنسبة إلينا أهون من الظلام الدامس الذي عشنا فيه في دنيا الظلم الذي لم يكن ليزول عنا لولا رحمة الموت التي أتت لتخلصنا منه وتركتنا في أنس مع وحشة القبر التي نفضلها عن وحشية أهل العزم وصانعي القرار الذين أهلكوا الحرث والنسل وأعثوا في الأرض فسادا.

لم نكن لنرحل عنكم إخوتنا الكرام لولا أننا وجدنا حياة العيش مع أولئك منعدمة ،لم نكن لنتخلى عنكم لولا أننا رحلنا مكرهين بعد سنوات من الظلم التي ولدت اليأس في نفوسنا وجعلتنا نتوق إلى حرية القبر التي ننظر إليها كمخلص لنا من شر أولئك القوم الذين أذاقونا أنكر العذاب وبطشوا بنا دون رحمة تذكر.من خلال هذا كله أدركنا أن رحيلنا عنكم أمر حتمي لا بد منه وأن فراقنا واجب وطني للرحيل عن هذا الوطن الذي ذقنا الويلات في سبيله.

أيها المغاربة ممن بقي في دار العذاب قد تتساءلون عن السبب الذي جعلنا نقرر الرحيل ونختار الموت وفضلنا هجرانكم على العيش بين أحضانكم هذا من حقكم أيها الأحرار ما دمنا نترجى فيكم أملا بالالتحاق بنا يوما و تتخلصون فيه من شر ما أنتم فيه الآن .

بما أننا شعب نعيش بلا أمل وأن آمالنا وأحلامنا تحولت إلى  ألام فمن حقنا أن نختار طريق الموت لا غير ،بما أننا شعب بكل البلايا مبتلى كان لا بد لنا وان نسلك هذا الطريق الذي وجدناه  أخف لنا من أن نبقى في قبضة أصحاب الفخامة الذين باتوا أكثر حرصا على بقاءنا أحياء على أن يقدموننا هدايا للموت خوفا من أن تنتهي لذتهم التي يسارعون من أجلها.

بما أننا شعب لا نملك حرية الرأي أو حتى حرية إصدار صوت خفي في وجه كائن من كان وبما أن أصواتنا من صوتها تخاف فلا مانع من أن نفتح الأبواب على مصراعيها لملك الموت ليقبض أرواحنا بالطريقة التي يحلو له ويريحنا من شر حياة كان عنوانها الذل والهوان .

بما أننا شعو ب عاشت الظلم في أوجه وعاشت الاستبداد بشتى أنواعه قررنا أن نعيد رسم الخريطة من جديد ونحي ثورة الموت الذي كنا دوما نخشاه لنعانقه بعد أن فقدنا أمل الالتقاء به ،أيها الموت مستعدون لأن نبذل كل ما في وسعنا من أجل أن نشم رائحتك التي نحن في انتظارها  على أحر من الجمر.

أيها الموت لم نعد كما كنا نخشاك في الماضي بل على العكس أصبحنا نستأنس بك ونتمنى مجيئك ،كلما غبن عنا إلا ونتمنى عودتك فالأفضل أيها الموت أن تبقى بجانبنا عسى تغتنم الفرصة لتنقذنا من أعداءنا وأعداءك الذين يبيتون الليلة أيقاظا لمنعك من الوصول إلينا .أما بالنسبة لإخواننا الذين ينتظرون قدوم الموت للالتحاق بنا أقول لكم بما أنني راحل عنكم وبما أن أيامي انتهت بينكم فقولنا قول المحب لحبيبه لما الملل من حبيب قد هان علي انتظاره ، نتمنى منك أيها الموت أن تفي بوعدك تجاه إخوتي الذين لا زالوا ينتظرونك ،نتمنى أن تحقق أمنياتهم وتعيد لهم أمل التخلص من أرواحهم التي أصبحت عبئا عليهم ولا سبيل لديها سوى أن تموت كي يحي الوطن.

تحية إلى كل الأصدقاء والأحبة ممن يختارون الموت في المستشفيات وفي الطرقات والذين يموتون في أوطانهم جوعا ،تحية إلى كل من يختار الموت عندما يتساوى الموت مع الحياة أو عندما يصبح الموت أهون عليه من حياة  المذلة .